ترتبط إيران مع دول المنطقة العربية وشعوبها بتاريخٍ طويلٍ حافلٍ بالتقلبات، فهي جزءٌ من تاريخ المنطقة وحضارتها وانكساراتها الطويلة والممتدّة إلى آلاف السنين، الذي يعبّر عن واحدةٍ من أقدم الحضارات البشرية وأعرقها. لن تتناول الدراسة استعراضاً كاملاً لتاريخ علاقة ما يعرف اليوم بدولة إيران مع مجمل تاريخ شعوب المنطقة ودولها الراهنة، بل سوف تقتصر على دراسة العلاقات الراهنة أو ما يعرف بالتاريخ الحديث.
نظرة تاريخية
مضى 43 عاماً على الثورة الإسلامية الإيرانية؛ ثورة الخميني، أو بالأصح ثورة تحالف مجموعة سياسية متباينة عقائدية وأيديولوجيا في مواجهة نظام الشاه، أفضت، في نهايتها، إلى سيطرة الخميني على النظام الإيراني، عبر قمع حلفائه الثوريين وقتلهم، وتشييد نظام سياسي إسلامي قائم على الاسترشاد، يعتبر الثورة من مهامه الاستراتيجية، من أجل بناء نظام إقليمي ودولي جديد.
إذاً تم اسقاط نظام الشاه الملكي في العام 1979؛ أحد حلفاء أميركا الإقليميين في مرحلة الحرب الباردة، أي في زمن نظام دولي ثنائي القطبية، حيث كانت إيران الشاه؛ رفقة تركيا والاحتلال الصهيوني، في تلك المرحلة، ضرورة استراتيجية أميركية في صراعها مع الاتحاد السوفيتي، أولاً لحماية المصالح الأميركية في المنطقة، وثانياً خط دفاع إقليمي أمام جارها الشمالي الاتحاد السوفيتي.
شكّل الظرف الدولي عاملاً مساعداً في نجاح الخميني بإقامة نظام إسلامي في إيران، يتبنّى مفهوم الثورة الإسلامية، أو ثورة المستضعفين، نظراً إلى عدم اصطفافها مع طرفي الصراع، إذ رفعت طهران حينها شعار "لا شرقية ولا غربية"، فضلاً عن تراجع حدّة الحرب الباردة نتيجة تراجع قدرات الاتحاد السوفيتي وإمكاناته في تلك المرحلة التي أفضت، بعد أكثر من عقد بقليل، إلى انهياره وتفكّكه، الذي أحدث تحولاً نوعياً في العلاقات الدولية والنظام الدولي، حتى أصبحنا في مرحلة نظامٍ أحاديّ القطبية، تهمين الولايات المتحدة عليه.
شكّل الظرف الدولي عاملاً مساعداً في نجاح الخميني بإقامة نظام إسلامي في إيران، يتبنّى مفهوم الثورة الإسلامية، أو ثورة المستضعفين
شكّلت الحرب الإيرانية - العراقية أولى مظاهر صدام إيران مع دول المنطقة العربية؛ تصدير الثورة، كانت الحرب تعبيراً سياسياً عن شعار تصدير الثورة، وامتداداً لنزاع حدودي تاريخي بين طرفيها، على الأهواز وشط العرب وجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. انتهت الحرب بإعلان وقف إطلاق نار متبادل بين الجانبين عام 1988 بوساطة الأمم المتحدة، اعتبر بمثابة فشل إيراني وضربة قوية لشعار تصدير الثورة الإسلامية.
لم تكد تنتهي تلك الحرب حتى بدأت حرب الخليج الثانية، في أعقاب احتلال العراق الكويت، اتخذت إيران موقف الحياد من تلك الأزمة، مطالبةً انسحاب القوات العراقية من الكويت، وانسحاب القوات الأجنبية؛ الأميركية تحديداً، من المنطقة، وفصل القضية الفلسطينية عن الأزمة الكويتية. قدّمت إيران مبادرة سلام في هذا الشأن، محاوِلةً لعب دور الوسيط الإقليمي الحيادي، ومتجنّبةً الدخول بأي صدامٍ مع دول المنطقة أو أميركا، بغرض تعزيز مكانتها الإقليمية سياسياً، والحفاظ على وضع إقليمي يتيح لها إمكانات التمدّد مستقبلاً، في العراق ودول ضعيفة غير قادرة على مواجهة إيران.
ساهم الحدثان الإقليمان المذكوران، حرب تحرير الكويت والحرب الإيرانية - العراقية، في دفع إيران إلى مراجعة أدواتها تجاه الإقليم، نتيجة الهزيمة العسكرية التي تلقتها على يد القوات العسكرية العراقية، وبحكم النتائج التي فرضها احتلال الكويت إقليمياً، من تعزيز الوجود العسكري الأميركي الدائم أو شبه الدائم.
شكّلت الحرب الإيرانية - العراقية أولى مظاهر صدام إيران مع دول المنطقة العربية
عملت إيران على تعزيز أدوات تدخلها الإقليمي غير المباشرة، استناداً إلى: شعار تصدير الثورة، الجيوبوليتيك الشيعي، العمل على فرض إيران مركزاً شيعياً وإسلامياً وسياسياً، القوة المالية، القوة العسكرية، خطاب معاد لأميركا والاحتلال الصهيوني.
جذبت العوامل السابقة شرائح شعبية وقوى سياسية عديدة، خصوصاً في المرحلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي؛ يسارية ويمينية، كما عزّزت من الانقسامات الطائفية، ومن بلورت قوى طائفية سياسية وعسكرية. أجادت إيران، في المرحلة التي أعقبت تحرير الكويت، الموازنة بين الخطابين، الطائفي التقسيمي والسياسي الثوري المعادي لنظام الهيمنة والاستفراد والاستغلال الأميركي.
يمكن اعتبار المرحلة الممتدّة منذ انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية إلى احتلال العراق أميركياً، مرحلة بناء الأذرع الإيرانية إقليمياً، على اعتبارها أدوات السيطرة الإيرانية الرئيسية، خصوصاً في لبنان، وفي الفضاء المعارض العراقي السياسي والمجتمعي.
Ещё видео!