كلمات منظومة وصايا لابنتي.. بالعلم والثقافة والشعر
شعر: أ. محمود ناجي الكيلاني
أبُنيَّتيْ أُهْديكِ خِبْرَةَ باحثٍ
قَدْ عاشَرَ العُلَماءَ والجُهَّالا
واسْتَخْلَصَ العِبْراتِ مِنْ عَبَراتِهمْ
فلتَسْمَعيْ برَوِيَّةٍ ما قالا
العِلْمُ شَمْسٌ لا يَراها يائِسٌ
مِنْ شُؤمِهِ ظَنَّ الشُّروقَ زَوالا
والعِلْمُ بَذْرٌ في حُقولِ عُقولِنا
وَحَصادُهُ لا يَجْتَنيهِ كُسالىْ
بالعِلْمِ نَرفَعُ رايَةً لبِلادِنا
ولأُمَّةٍ نرجو لَها استِقْلالا
مَهما تَعِبْتِ أَوِ افْتقَرْتِ بِدَربهِ
لا تَنْدُبيْ يا حُلوَتيْ الأحْوالا
كَمْ وارِثٍ للمالِ دونَ تَعَلُّمٍ
بالجَهْلِ ضاعَ وَضَيَّعَ الأموالا
نَفْنىْ ويَبقىْ عِلمُنا مِنْ خَلفِنا
يَبْنيْ الصُّروحَ ويَرفَعُ الأجْيالا
مَن رافَقَ الدُّنيا لأجلِ رِسالةٍ
ما ماتَ أو لَنْ يبلُغَ الآجالا
سِحْرُ الفَتاةِ بعَقلِها وبأصْلِها
وحَيائِها وَبِدينِها إنْ طالا
أَوَما سَمِعتِ حَديْثَ أحْمَدَ سَيِّديْ
اظفر بِذاتِ الدينِ حُزْتَ كَمالا
بالفَهمِ والنَّهْجِ القَويمِ وَبِرِّها
تَزْدادُ دَومًا صَبْوَةً وَجَمالا
يَبقى بَهاءُ السَّمْتِ بِكْرًا في الورى
مَهْما كَبُرتِ سَتَظْهَرينَ غَزالا
وَإِذا مَرَرْتِ يُقالُ: مَرَّتْ مِنْ هُنا
ذاتُ العُلومِ فأحْدَثَتْ زِلزالا
لِلْعِلمِ والعُلَماءِ هَيْبَةُ فاتِحٍ
صانَ الدِّيارَ وَسَيَّرَ الأرتالا
كَمْ فِكْرَةٍ مِنْ عالِمٍ مُتَبَحِرٍ
قَدْ غَيَّرتْ بزِمانِهِ أحوالا
لكنَّ حَظَّ العِلمِ يَكْرَهُ جاحِدًا
للفَضْلِ أو مُتَكَبِّرًا مُخْتالا
فالعِلْمُ يُؤْتىْ باحْتِرامِ مُعَلِّمٍ
وَبِهَيْبَةِ التَّعْليمِ نُصْلحُ حالا
فَضَعيْ بِعَينِ النَّجمِ بَصْمَةَ سامِقٍ
للتائِهينَ سُهَيلُها يتَلالا
وَدَعيْ الرِّياءَ لِسُمْعَةٍ أو شُهْرَةٍ
ولتُحْكِميْ في وَجْهِهِ الأقْفالا
مَنْ أخْلَصَ النيَّاتِ أبْصَرَ نورَها
بيَنَ العِبادِ وأرَثَتْهُ ظِلالا
وسينصِفُ التاريخُ كُلّ مُفَكِّرٍ
وجَلالَةُ الآدابِ لَنْ تُغتالا
دَرْبُ الثَّقافَةِ بالكِتابِ دَليلُهُ
فَلْتَترُكيْ الألْعابَ والجَوَّالا
كونيْ الصَّديقَةَ للكِتابِ لتَنهَليْ
مِنْ نَهْرِهِ ماءَ العُلومِ زُلالا
فالعِلْمُ بَحْرٌ لا يَنالُ كنوزَهُ
مَنْ ظَلَّ بالشُطآنِ يَنْدُبُ حالا
ولتَحْفَظيْ دُرَرَ المُتونِ وَشَرْحَها
كَمْ حافِظٍ تَرَكَ الشُّروحَ فَغالى
وَتَثَبَّتيْ مِمَّا يُقالُ بِبَحْثِهِ
لا تَنْقُليْ مِنْ قيلَ أو مِنْ قالا
وَتَقَدَّميْ بَيْنَ الصُّفوفِ وَعَبِّريْ
عَمَّا خَبِرْتِ نَتاجَ بَحْثٍ طالا
لا تَرْفُضيْ رأيًا يُخالِفُ فِكْرَةً
مَوروثَةً ولتُطلُبيْ استِدلالا
ولتَفْقهيْ مَغزى الكَلامِ وَناقِشيْ
وإِذا عَجِزْتِ فَحَدِّديْ الإشكالا
وتَعَلًّميْ الإنْصاتَ كَيما تَفهَميْ
ولتَطرَحيْ بَعْدَ السُّؤالِ مِثالا
للعِلْمِ مُتْعَةُ باحِثٍ مَنْ نالَها
بِسَبيلِها سَيُكابِدِ الأهوالا
مَنْ يُدْرِكِ الهَدَفَ المُرادَ لعِلْمهِ
شَوْقًا لِدَرسٍ يَقْطَعِ الأميالا
كوني المُحِبَّةَ للقِراءَةِ واعلمي
بالحبِّ نَرْكَبُ للمَرامِ مُحالا
ما كُلُّ مَنْ دَرَسَ العُلومَ أجادَها
أو بالشَّهادَةِ كُنْهَها قَدْ نالا
لِلْعِلْمِ شَرْطُ الفَهْمِ شَرْطٌ واجِبٌ
مِنْ غَيْرِ إِدْراكٍ يَصيرُ وَبالا
كَيْ تَرْسَخِ الأفكارُ في أذهانِنا
فَلنَدمِجِ الأقوالَ والأفعالا
خَيرُ العُلومِ وسَيِّدُ الأقْوالِ ما
قالَ الرَّسولُ بُعَيْدَ قالَ تَعالى
والشِّعْرُ مِنْ نَسْجِ الشُّعورِ وَحِسِّهِ
يَكْسو النُّفوسَ مَهابَةً وَجَمالا
والشِّعْرُ ديوانُ العُروبةِ.. كيفَ لا؟
إنْ دَوَّنَ التاريخَ والأحوالا
والشِّعْرُ حِكْمَةُ دارِسٍ لحِياتِهِ
وَزَنَ الأمورَ وَقَدَّرَ الأحْمالا
والشِّعْرُ مَوهبةٌ تَحُلُّ ببَعضِنا
لا تَقبَلِ التَسْويفَ والإهمالا
فيصونُها بدِراسَةٍ ونباهَةٍ
ويَقومُ فينا شاعرًا زجَّالا
في قامَةِ العَرَبيِّ يَقْطُنُ شاعِرٌ
وخُروجُهُ إنْ حَطَّمَ الأغلالا
ومَضىْ يُدَنْدِنُ بالنُّصوصِ وفَخرِها
وبسِحْرِها قد أكثرَ التِّجوالا
عَرَفَ استعارَةَ وصفِها ببَلاغَةٍ
حتَّى استهامَ بِها وخاضَ سِجالا
فالشِّعرُ كالفَرَسِ الأصيلَةِ تُمْتَطىْ
مِمَنْ تَراهُ بعَينِها خَيَّالا
كَمْ مِنْ مَعُوزٍ يُسْتَخَفُّ بثَوبِهِ
وَنَراهُ يَرعى في الفَلاةِ جِمالا
هُوَ بالسَّليقَةِ شاعِرٌ مُتَمِكِنٌ
وَيَهُزُّنا إنْ أطلَقَ الموَّالا
والنَّظْمُ يُؤتىْ باكتِسابِ عُلومِهِ
وَمَعَ المِراسِ شُطورُهُ تَتَوالى
فلتُتْقُني بفَراسَةٍ تَقْطيعَهُ
لا تَكْسِريْ الميزانَ والمِكْيالا
وَلْتُكْثِريْ حِفْظَ النُّصوصِ وقلِّدي
ولتُطلُقي في ذا الفَضاءِ خَيالا
والبَيْتُ لا تَتَكلَّفي ألفاظَهُ
وتعَمَّديْ التكثيفَ والإجْمالا
وَلْتَسْتَشيريْ ناقِدًا مُتَذوِّقًا
لا ناقِمًا جَعَلَ الرَّشادَ ضَلالا
أعنيْ انصِتيْ للرأيِ مِنْ مُتَمَرِّسٍ
فالنَّقْدُ يُكْسِبُ ما كَتَبتِ كَمالا
ولتَنْشُري مِمَّا نظَمْتِ وشاركي
إيَّاكِ أنْ تَتَهيَّبي الإرسالا
ما فازَ بالآداب قلب مُرَوَّعٍ
يَتهيَّبُ النُّقادَ والعُذَّالا
والشاعرُ الفنَّانُ ينقلُ نَبضهُ
عبرَ الحروفِ ودمعهُ إنْ سالا
ويكون بالإلقاءِ فارسَ أمَّةٍ
إنْ قالَ بَيتًا زلْزلَ الأوصالا
أَبُنَيَّتي أُهديكِ سَبْكَ وَصِيَّتي
فَزِني البُحورَ وسائِلي الأطْلالا
مَنْ نامَ عَنْ كَسْبِ العُلومِ أضاعَها
وقَضَى الحَياةَ مُشتَّتًا مِضْلالا
شعر/ أ. محمود ناجي الكيلاني
Ещё видео!