نحن نسمع عن الأبدية, ونقرأ عنها في وعود الله, ولكننا لم نرَ الأبدية, فكل شيء أمامنا إلي زوال, وحياتنا علي الأرض لها نهاية. فالذي ينظر باستمرار إلى الأبدية, وإلي امتداد حياته بعد الموت, يعمل لهذه الأبدية, ويستعد لها باستمرار, بالتوبة والعمل الصالح ونشر الخير في كل مكان ومع كل أحد, والذي يفكر في الأبدية باستمرار, لا ينظر إلي هذا العالم الحاضر, ولا يهتم به, موقنا بأن العالم يبيد وشهوته معه. كذلك لا يركز رغباته في المادة ولا يشتهيها... هو يعيش في العالم, ولكن العالم لا يعيش فيه, كما يمكنه أن يملك المادة, ولكن لا يسمح للمادة أن تملكه, بل يستخدمها للخير.
إن العالم والمادة من الأشياء التي تُرى , فهي لذلك وقتية -فلا يجعلهما سببا لضياعه روحيًا- فقد قال السيد المسيح "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مت 16: 26) ولهذا كل ما نفقده من العالم والمادة لا نحزن عليه, لأنه سوف لا يصحبنا في اليوم الأخير, ولا يكون معنا في الأبدية.
† أيضا من الأمور التي لا تُرى: الملائكة وأرواح الأبرار:
إن الملائكة أرواح, وهم حولنا يروننا, وينقذوننا من أخطار كثيرة, وعلى الرغم من وجودهم حولنا, فنحن لا نراهم بهذه العيون المادية, ولكننا سنراهم بلا شك بعد القيامة في الأبدية السعيدة, وكذلك سنرى أرواح الأبرار الذين سبقونا إلي السماء.
أما الآن, فنحن بالروح نؤمن بوجود الملائكة, ونراهم بالإيمان ونستحي أن نفعل خطية في حضرتهم, على الرغم من أنها غير مرئية حاليًا.
† من الأشياء التي لا تُرى أيضا: الروح:
الروح لا تُرى, أما الجسد فهو من المرئيات, لذلك فالشخص الروحي, يحيا مهتمًا بروحه, وغذائها الروحي, وإن كان الجسد له غذاؤه المادي, فإن الروح تتغذى بحياة الفضيلة والبر, وتتغذي بمحبة الله وبعمل الخير, وبالصلاة والتسبيح, وبكلام الله في عمقه وروحانيته, والإنسان الذي يهتم بأبديته, يحرص على نموه الروحي وعلى التدريبات الروحية النافعة له. ذلك لأن اهتمامه بروحه ومصيرها الأبدي يجعله يبذل كل جهده في عمل ما يربطها بالله ووصياه فتكون مقدسة له.
في نفس الوقت يجعل روحه هي التي تقود جسده, ولا تخضع أبدًا لغرائزه, بل بكل حرص وتدقيق, تتخلص من شهوات الجسد, ومن طياشة الحواس, ومن شهوة العين وتعظم المعيشة. فلا يكون لهذه المرئيات سلطان عليه...
† كل متع الحياة الأرضية من الأشياء التي تُرى, أما متع الأبدية فهي ما لم تره عين, ولم يخطر علي قلب إنسان.
† وهكذا فإن الآباء النسّاك, قد نظروا إلى كل متع هذه الحياة, فإذا هي زائلة وفانية لا تستحق اهتمامهم, فارتفعوا فوق مستواها وفوق كل رغبة فيها, وماتوا عن العالم, وزهدوا كل متعه الأرضية, ناظرين إلى ما سوف يتمتعون به بعد القيامة.
† وفي هذا المعنى يقول القديس أغستينس "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أني لا أشتهي شيئًا ولا أخاف شيئًا".
† وأكبر مثال في الارتفاع عن كل المرئيات، وعن الحياة الأرضية ذاتها، مثال الشهداء الذين تقدموا إلى الموت بفرح، غير ناظرين إلى العالم وكل ما فيه، ورافضين الإغراءات التي عرضت عليهم. ذلك لأنهم كانوا مركّزين كل أبصارهم وقلوبهم في ما لا يرى في الحياة بعد الموت.
† † †
Our Facebook page [ Ссылка ]
Our Twitter page [ Ссылка ]
Our Youtube Channel [ Ссылка ]
Ещё видео!