لحمد لله الذي يجيب من دعاه، ويلبي من ناداه، ويعطي من سأله، ويكرم من قصده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، قال سبحانه وتعالى:( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
أيها المسلمون: نحن على أبواب شهر كريم، إنه شهر رمضان المبارك، يستجيب الله تعالى فيه دعاء الصائمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« ثلاثة لا ترد دعوتهم -وذكر منهم- الصائم حتى يفطر». فاجتهدوا في الدعاء؛ فإن الله تعالى قريب مجيب، قال الله عز وجل على لسان نبيه صالح عليه السلام:( إن ربي قريب مجيب). فـ(المجيب) اسم من أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، ومعناه الذي يعطي السائل ما يريد. ويسمع الداعي ويجيب، سبحانه يقابل السؤال بالعطاء، والدعاء بالإجابة، ويكشف السوء، قال تعالى:( أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).
وقد حرص الأنبياء عليهم السلام على سؤال ربهم، فاستجاب دعاءهم، ولبى نداءهم، قال تعالى:( ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون). وقال عز وجل عن أيوب عليه السلام:( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين* فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر). ودعا يونس عليه السلام ربه قائلا:( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين* فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين).
وأجاب الله تعالى دعاء زكريا عليه السلام:( إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين* فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين). فسبحان الله المجيب الذي سمع أصواتهم، وعلم أحوالهم فاستجاب دعاءهم، وكذلك يستجيب سبحانه لعباده المؤمنين، قال جل جلاله:( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). فإن الاستجابة وعد نافذ من الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم :« أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم». وقال الله عز وجل في الحديث القدسي:« يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر». فالدعاء مفتاح كل خير، أمرنا الله تعالى به، وحثنا عليه، ووعدنا أن يستجيب لنا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه رضي الله عنهم على الإكثار من دعاء الله المجيب؛ فيقول لهم صلى الله عليه وسلم :« أعجز الناس من عجز في الدعاء». ويعلمهم صلى الله عليه وسلم أن يسألوا الله المجيب بالأدعية الجامعة للخير، فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد اشتد مرضه، فقال له صلى الله عليه وسلم :« هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟» قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا. فقال صلى الله عليه وسلم :« سبحان الله لا تطيقه - أو لا تستطيعه - أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار». قال أنس رضي الله عنه: فدعا الله له، فشفاه.
ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسباب استجابة الدعاء، ومنها أن يكون الداعي حاضر القلب أثناء الدعاء، مقبلا على ربه عند مناجاته في سكينة وخشوع، وأن يكرر الدعاء ثلاثا، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا. والعمل الصالح من أسباب الاستجابة، فإن الله عز وجل يستجيب دعاء عباده الذين يتقربون إليه بالعمل الصالح، قال الله عز وجل :(فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى). فلا يضيع لديه عمل عامل، بل يوفيهم أجورهم، ويزيدهم من فضله.
ويستجاب للمسلم ما لم يستبطئ الإجابة، قال صلى الله عليه وسلم :« يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت فلم يستجب».
ودلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أوقات الإجابة، ومنها ثلث الليل الآخر، قال صلى الله عليه وسلم :« إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل يعطى، هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، حتى يطلع الصبح». فيا فوز من استثمر أوقات الاستجابة في مناجاة الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم :« إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه إياه، وهي في كل ليلة».
ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله المجيب أعلم بالعبد من نفسه، وحكيم في استجابته لدعائه، يختار الأفضل له، قال صلى الله عليه وسلم :« ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها». قالوا: إذا نكثر . قال صلى الله عليه وسلم :« الله أكثر».
#روحانيات_اسم
#الله_المجيب
Ещё видео!