ابن عم غازي الأول.. الملك الذي وقف على مساوئ البريطانيين ووعودهم الكاذبة، وأخ زوجته الملكة عالية، لكنه كان أحد المخالفين له، وأحد الشخصيات المقربة للإنجليز، والتي قادت صراعاً لإزالته عن الحكم، ويعد ثالث من أدار السلطة في المملكة العراقية.
الأمير عبد الاله الهاشمي
أحد أحفاد الشريف حسين الهاشمي، من مواليد مدينة الطائف في الحجاز، يوم الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر عام (1913)، وهو ابن ملك الحجاز علي بن حسين الشقيق الأكبر الملك فيصل الأول، حلّ وصياً على عرش العراق بدءاً من العام (1939)، وذلك بعد مقتل الملك غازي في حادثة سيارة غامض، في وقت كان فيه ابنه فيصل الثاني (وريث العرش) لا يزال في السادسة من العمر، ولارتباط عبد الإله بصلة الخال للملك، حيث أنه شقيق أم فيصل الثاني الملكة عالية، ورغم بعض التذبذبات ظل الأمير عبد الإله في حكم العراق حتى العام (ألف وتسعمئة وثلاثة وخمسين)، حتى نودي به ولياً للعهد مع انتهاء الوصاية يوم الثاني من مايو/أيار وتتويج الأمير فيصل الثاني ملكاً على العراق.
وبالرجوع إلى بداياته، فقد التجأ عبد الإله الهاشمي وعاش مع عائلته في مصر، وذلك بعد تولي العائلة السعودية منافسة العائلة الهاشمية لمقاليد الأمور في كل من الحجاز وشبه الجزيرة العربية. تزوج عبد الاله من الأميرة مَلك فيضي، وبعد وفاتها تزوج الأميرة فائزة طرابلسي مصرية الجنسية، قبل أن يطلقها لاحقاً ويتزوج من فتاة تدعى هيام ابنة أمير ربيعة، وهو الزواج الذي لاقى قبولاً شعبياً لكونها عراقية وابنه شخصية معروفة، تلقى الأمير علومه في كلية فكتوريا في مدينة الاسكندرية في مصر، ما أدى إلى تأثره بالثقافة المصرية، وأسلوب حياة العائلة الملكية في مصر، وكانت له علاقات وطيدة بالبلاط الملكي للملك فاروق. وبعد الاطاحة بالحكم الملكي في مصر حاول مرارا توطيد علاقاته باللواء محمد نجيب ورئيس وزرائه جمال عبد الناصر، قبل أن يعود بعدها إلى بغداد ملحقاً بالبلاط الملكي ووزارة الخارجية.
وأثناء تأزم الوضع السياسي المحلي والدولي خلال منتصف العام (1940) وأوائل السنة التي تلتها، على أعقاب قيام الحرب العالمية الثانية واندلاع ثورة مايو/ مايس عام (1941) بزعامة رشيد عالي الكيلاني، أظهر عبد الاله تأييده للسياسة البريطانية، وعداءه لقادة الثورة، فقام بفتح أبواب العراق أمام الجيوش البريطانية مع إرسال فرقتين عسكريتين للمشاركة في الحرب ضد دول المحور في الصحراء الليبية أو البلقان وقطع العلاقات السياسية مع الدول المعادية لبريطانيا، وكان تسرُّع نوري السعيد في قطع العلاقات مع الألمان، والارتماء كلية في حضن الإنجليز، وتوريط العراق وموارده في خدمة المحتل، سبباً في اشتعال نقمة الوطنيين العراقيين على هذا الرجل، وكان يضطر في كل مرة إلى تقديم استقالته حتى تمر عاصفة الانتقادات والاتهامات بسلام.
وخلال الفترات البينية بين وزارات نوري السعيد، كانت صناعة القرار في العراق تؤول إلى بعض السياسيين الوطنيين وعلى رأسهم رشيد عالي الكيلاني، الذي ارتقى إلى منصب رئاسة الوزراء للمرة الثالثة والأخيرة عام (1941) بدعم من الجيش والوطنيين العراقيين الذين أجبروا الوصي عبد الإله الهاشمي على الهرب من العراق إثر تقلُّدهم زمام الأمور في البلاد، واستقالة حليفه نوري السعيد، لكن بريطانيا لم تكن لتقبل باستلام الوطنيين العراقيين برئاسة رشيد الكيلاني للسلطة، فاضطرت إلى استدعاء قوات عسكرية زادت على عشرة آلاف جندي من الهند، وبدأت في مواجهة القوات العراقية من البصرة جنوبا وحتى بغداد شمالا، وبعد مرور شهر على هذه المعارك الضارية التي سحق فيها البريطانيون بقواتهم الجوية المتقدمة الجيش العراقي على الأرض، أعيد الوصي المعزول، مع عودة النفوذ البريطاني بشكل أشد وطأة، وأكثر قهراً على العراقيين، في وقت أعتقل وفصل فيه الكثير من الضباط والموظفين وغيرهم، وأوقفت صدور الصحف المؤيدة للثورة، حتى توج فيصل الثاني ملكاً عقب انتهاء وصاية عبد الاله على المنصب مكتفيا بولاية العهد التي كان قد تقلدها بتاريخ الحادي عشر من نوفمبر عام (1943) أثناء وصايته.
وخلال حكمه قام الأمير عبد الإله بزيارة بلدان كثيرة منها زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية صيف العام (1945)، قبل زيارته لبريطانيا في أثناء عودته، وبعدها فرنسا ومن ثم إلى تركيا، حتى وصل بغداد يوم العشرين أيلول في ذات العام، كما وسافر إلى لندن بعدها بقرابة عامين من أجل بحث العلاقات المشتركة مع المسؤولين البريطانيين.
وما إن انتهت الحرب العالمية الثانية وبدأت قضية فلسطين في البروز، حتى قررت الدول العربية وجامعة الدول تحريك الجيوش العربية بقيادة مصر والسعودية وشرق الأردن ولبنان والعراق وسوريا لتحرير فلسطين عام (1948)، بيد أن خلافات بين هذه الدول، وتواطؤ مجلس الأمن على إيقاف الحرب، أدَّت في النهاية إلى انسحاب الجيوش العربية من فلسطين.
والتي لاقت تأثيرا سلبيا عارما في نفوس العراقيين، إذ خرجت تظاهرات في شوارع بغداد في يوم الثالث والعشرين من يوليومن ذات العام، رافضة قرار الانسحاب، ومطالبة بمواصلة القتال ضد الصهاينة الذين كانوا يتلقون دعماً ومساندة من مجلس الأمن، حينها أدرك كبار القادة والساسة العراقيون وعلى رأسهم رئيس الوزراء آنذاك علي مزاحم الباجه جي خيانة الوصي عبد الإله الهاشمي، وأنه كان متواطئاً مع الإنجليز على انسحاب الجيش العراقي ضمن الجيوش العربية المنسحبة، لتقع فلسطين في مأساة نكبة (48).
وفي العموم لم يلق عبد الإله تأييداً لا من الشعب ولا حتى النخب السياسية الوطنية كذلك، بسبب بعض سلوكياته وثقافته وميله الجارف للسياسة البريطانية، ما تسبب بمقتله على يد أحد العسكريين التابعين للثكنة المجاورة للقصر الملكي والذين تداخلوا مع الكتيبة المكلفة بالسيطرة على قصر الرحاب أثناء قيام حركة الرابع عشر من يوليو عام (1958)، ومعه جميع أفراد عائلته بمن فيهم الملك فيصل الثاني، قبل أن يتم سحل جثته من قبل الجماهير في شوارع بغداد، وتعلق على بوابة وزارة الدفاع، وقد تم دفن رفاتهم جميعا في المقبرة الملكية في الأعظمية.
Ещё видео!