كلمة المخرجة
مسرحية "سجون" هي ثمرة تعاون بيني وبين الكاتب المبدع مفلح العدوان. بدأ المشروع بالاتصال بالكاتب المبدع مفلح العدوان بعد نجاح تجربتنا الأولى في مسرحية " بلا عنوان" وأوصلت له فكرتي في العمل الجديد ليتناول السجون حيث أننا نعيش في سجن كبير ويصغر ويصغر إلى أن وصلنا أن يعيش كل منا في سجنه الخاص، هذه كانت البداية في عصف ذهني انحصر هذه المرة بيني وبين الكاتب وعضو الفرقة الفخري الدكتور فيصل دراج، تجاوب المبدع مفلح العدوان وحوّل الفكرة إلى مشاهد بلغة عبرت عن الفكر وساهمت في تعميقه، ومن ثم قمت بإعادة توزيعها على الممثلين آخذة بعين الاعتبار رؤيتي الإخراجية.
ملخص المسرحية
عندما يحين الموعد يخرج الإنسان من رحم ضاق عليه وكاد أن ينفجر به ومنه وحينذاك يستكمل ويستأنف الإنسان سجنه دربا ومكانا وظرفا، فيبقى سجين المكان وسع أو ضاق ما بين العقل أو الجسد والبيت والقرية أو المدينة والدولة أو القارة والكوكب ناهيك عن بقائه سجينا للزمان ضمن سنين عمره أو دهره أو موعد موته. ومن خلال سعيه قليلا أو حثيثا أو تلقينه أو تلقيه المختلف أو المتشابه في مجالات الحياة الثقافية والاجتماعية والفكرية والسياسية يبقى في سجنه أسيرا بين مضامينها ورموزها وشعاراتها، ومن خلال تمايله توقا لسبر المد ارج والمعارج يبقى يراوح سجنه مشدودا إلى التراب والماء والهواء والرياح والنار، فهو دوما راغبا أو مجبرا يبقى نزيل سجن أو سجون أو متنقلا من سجن لآخر حائرا يرضى أو لا يرضى عنه متأملا نزع القيد أو مفتونا به.
مجموعة من الرجال والنساء بعد انتهاء مرحلة الرحم وخروجهم إلى الحياة ودخولهم مؤسسة العائلة والمدارس يكبرون ويصطدمون بالواقع حيث يكتشف كل منهم انه يرزح في سجنه الخاص فها هو السياسي يقع في فخ الشعارات والقوالب وها هو المثقف يردد كلاما مصفوفا لا يفهمه احد فيبقى في فقاعته لا يتفاعل معه احد والثالث رجل مال لا يفكر إلا بنفسه وزيادة ربحه والرابع رجل دين متطرف يردد أقوالا صنعها بنفسه لا تمت إلى أية ديانة وآخر يقع تحت تأثير المخدرات بعيدا عن هذا العالم وها هي المرأة الموهوبة بصوت جميل لا تستطيع إبراز موهبتها فتبقى سجينة صوتها وأخرى ممثلة تصبح أسيرة تقليدها نماذج مختلفة لنساء استطعن أن يكون لهن شأنا في التاريخ والأخرى ترقص في فضاء تبحث جاهدة عن جسدها للمصالحة معه، فعندما يلتقون تتم بينهم مكاشفات فمنهم من يحصل على خلاصه ومنهم من يبقى مفتونا بسجنه. دعوتنا صرخة لفك السجون والالتفات إلى الإنسان صاحب الرحلة القصيرة في الحياة أفلا يكفيه كونه مسجونا في عمره المفترض حتى يقوم بتحويل كل ما حوله إلى مجموعة سجون أخرى متناسيا فضاءات الحرية المتيسرة ليحصل على حياة اقل قسوة!
هذا العمل ينتمي إلى المسرح التجريبي:
التجريب الأول في هذا العمل كان على نص المسرحية حيث قمت بتشظيه الحوار وتوزيعه على الشخصيات الثمانية وكأنهم شخص واحد كما حولت شخصية الراوي إلى السجان متعدد الوجوه، في الرحم ، البيت، المدرسة، والمجتمع والتكنولوجيا حيث يظهر في كل مرة بشكل مختلف، كما حولت كثيرا من الحوار إلى الصورة البصرية.
التجريب الثاني وهو استخدام مفردة المشي بتعددها كمفردة رئيسية بهذا العرض إما بالاعتماد على حركات مسبقة التصميم (Codified Movements) كما هو الحال بالبالية والرقص الحديث والمايم أو باعتماد الحركات اليومية الاعتيادية والتجريدية ومسرحتها، أو بالاعتماد على حركة الممثلين القائمة على ارتجال الممثلين الموجه من قبل المخرج ومن ثم التجريب على مزج هذه العناصر الحركية معا. كما تم التجريب أيضا على التشكيل بالفضاء المسرحي من خلال قطع الديكور حيث يتحول الديكور إلى سجون كبيرة وصغيرة ثابتة ومتحركة حسب ما أريد إيصاله في تلك اللحظة أو ذاك المشهد.
أما التمثيل فيعتمد بداية على التمثيل الحركي فقد تعرض الممثلين إلى تدريبات من مختصين حرفيين في كل من مجال الرقص الحديث والرقص الشعبي وفن التمثيل الصامت (المايم) وتدريب إيقاعات إضافة إلى الحوار المكثف حيث يقوم كل ممثل بتمثيل عدة شخصيات للوصول إلى التغريب والإتيان باللامألوف لإعادة قراءة الواقع قبولا أو رفضا.
التجريب الكبير في هذا العمل هو مزج مجموعة من الفنون الأدائية معا وصهرها لخدمة عمل يعمل على مخاطبة العقل والقلب: الرقص الحديث، الرقص الشعبي، المايم، النقريات والغناء والشعر
في النهاية كلي أمل أن تتسع صدور الجميع لمحاولاتنا طرح الجديد في الشكل والمضمون لأنني لا أزال على قناعة بأن المسرح سيندثر بدون التجريب.
مجد القصص
Ещё видео!