المدّة: 06:24
النص:
قد يكون هذا أسهل على المتديّن إدراكه وهو: أن يحفظ علاقته بالله أمّا في كسب رزقه.. وفي حياته المادّية فلا يجعل للدين دورًا كبيرًا! بل لا مانع لديه أن يطبّق بعض أحكامه الاقتصاديّة والمعيشيّة من باب الحلال والحرام، أمّا أن يطبّق الدين بالدقّة في جميع تفاصيل حياته فهذا مُتعب جدًّا! ولهذا حتّى المتديّنين لا يتحمّسون كثيرًا لأن يتولّى الدينُ جميع شؤون الإنسان الحياتيّة، هذه هي المعضلة الكبرى!.. المعضلة الأساسيّة.. هي هؤلاء المتديّنون!!.. الذين يأبَون نفوذ الدين إلى شؤون المجتمع قاطبة، والمفاصل الاجتماعيّة كافّة، وتركِ بصماته عليها، هذه هي المعضلة الأساسيّة.
هناك بعض المحطّات، مثل الحرام والحلال الواضح في حياة الفرد أو المجتمع لا يمسّها أحد، المتديّنون مستعدّون لاحترامها، لكن الدين ليس فقط هذا، بل هو يدخل إلى مسرح الاختبار فيحدّد لك واجبات، فالاختبار يخلق مشهدًا يكون علينا فيه ممارسة نشاط اجتماعي قد لا يكون ضمن قائمة الواجبات والمحرّمات المحدَّدة والواضحة، نشاطٍ إجمالًا نعلم أنّه جيّد لكن في وسعنا تجاهُله، والتغافل عنه.. يمكن التعاطي معه هكذا. الزهراء(ع) هكذا قتلوها، والإمام الحسين(ع) أيضًا هكذا قتلوه!!
برأيك ما الذي يصنعه الدين؟ إنّه يُربك حياة الإنسان!! وإن أنت قبلتَ الدين وكنت مستعدًّا لحظةَ الخطر، أي الاختبار، لحظةَ مواجهة موقفٍ حسّاس، أن تغيّر حياتك، فهَيّا.. حين يأتي الدين ويتدّخل في جميع شؤون الإنسان يضعه أمام اختبارات ويطالبه بإرباك نسَق حياته الطبيعيّة، هذه هي مشكلة الدين!! هاهنا يتبيّن ما إذا كنتَ علمانيًّا أم لا! أنْ لا تكون علمانيًّا ليس بأن تهتف: "الموت لأمريكا" فقط، بل بأن تغيّر واقع حياتك بمقتضى اختبارات الدين؛ فإن استلزمَ الاختبارُ الهجرةَ، فهاجر، وإن اقتضى تغييرَ مهنتك، فغيّرها. ولهذا صاحب الزمان(عج) غائب، لماذا؟ لأنّنا لسنا متأهبّين للاختبارات. ما المطلوب منّا في هذه الاختبارات؟ قد يُطلَب منّا أمور بسيطة جدًّا لكنّها تُربك وضعَنا كلّه!
الآن مثلًا موضوع زيادة النسل لم يربك حياة الكثيرين، حياتهم طبيعيّة! الاقتصاد المقاوم لم يُربك حياة الكثيرين، حياتهم طبيعيّة. قائد الأمّة الإيمانيّة يوجِّه: حدود مجاهدة الأعداء اليوم هي الاقتصاد، أتساءل: هل عطّلنا كلّ أشغالنا وحياتنا وانهمكنا بالإنتاج؟! بإطلاق الإنتاج التعاونيّ؟! هل جميعنا، نحن البسيج وروّاد الهيئات الحسينيّة تخلّينا عن العمل الوظيفيّ وتوجّهنا إلى الإنتاج لإنعاشه؟ هل خصّصَ كلٌّ منّا جانبًا من حياته لهذا؟ هل استثمر جميعُنا أموالَه في هذا المجال؟ لم نفعل.. هل فعَلْنا؟ ماذا؟ وهل ارتكبنا جرمًا إذ لم نفعل ذلك؟ وهل هذه جريمة؟ أهلُ المدينة أيضًا قالوا: وهل بقاؤنا في البيت جُرم؟ هَبْ أنّ بعض الكبار فعلوا شيئًا، ما شأننا نحن؟
السيّدة الزهراء(ع) طالبتْ أهل المدينة - فجأةً – بأمر فقالوا: حسنٌ، إن لم ننصركِ فهل نكون شربنا خمرًا؟! أو قتلنا نفسًا؟! أو سرقْنا؟! ماذا صنعنا؟ تركنا الصلاة؟! خرجنا من الإيمان؟! مزّقنا القرآن؟! لم نفعل أيًّا منها. كم هم بسطاء من يظنّون أنّ الله أنزل الدين لتطبيق بضعة أحكام ثابتة محدَّدة! كلّا، إنّها الإطار العام. يريد الدين من الإنسان تحرُّكًا، بأن تتناغَم مع الإيقاع الإلهي، لا أن تطبّق بضعة أحكام دينيّة ثابتة! ما هو الظرف الذي نعيشه؟ فلنخَف من إيماننا قليلًا!!! فقد يُقحِمنا إيمانُنا في علاقات فنتطبّع عليها ولا نستطيع الإفلات منها! إيماننا نفسُه.. تديّننا نفسُه!!! يقودُنا إلى المسجد، أو الهيئة الحسينيّة فنَعْلَق هناك بالمجاملات ونترك الإمام المهدي(ع) وحيدًا!! أهلُ المدينة لم يكن جرمهم سوى أنّهم لم يشاؤوا تغيير مسيرة حياتهم!
من أين لي أن أفهم إن كان ديني لقلقة لسان أو لا؟ حين يحين أوان العمل الاجتماعيّ الذي يؤثّر على حياتي كلّها ويكون عليَّ تغيير عمَلي، وتبديل نمط حياتي، وترك ما كنتُ آلَفُه وآنَسُ به، والتخلّي عن روتين حياتي اليوميّ هاهنا يتبيّن ما إذا كنتَ علمانيًّا أم لا! أنْ لا تكون علمانيًّا ليس بأن تهتف: "الموت لأمريكا" فقط، بل بأن تغيّر واقع حياتك بمقتضى اختبارات الدين.
لدعم نشاطاتنا أنقر على الرابط التالي:
Panahian.net/donate
يمكنك التبرّع بالطرق المتداولة الأخرى أيضًا.
لمزيد من المعلومات راسلنا:
واتساب: 00989945071440 (للتواصل النصّي فقط)
البريد الالكتروني: donate@panahian.net
صفحاتنا: @PanahianAR
Ещё видео!