الحمد لله رب العالمين، جعل الأولاد الصالحين قرة لأعين الوالدين المصلحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الأولاد مثل الأموال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، فكما يمتحن الإنسان بالأموال يمتحن بالأولاد: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، فالأولاد يبتلي الله بهما الوالدين، هل يقومان بإصلاحهم وتربيتهم على الخير أو يضيعانهم ويتساهلان في شأنهم؟ ولكل من الحالتين عواقب إما صالحة وإما فاسدة، فالولد مسئولية على الأب يبتلى به، هل يعتني به أو يضيعه؟ فإن اعتنى به صار قرة عين له في الدنيا والآخرة، وإن ضيعه فإنه يكون حسرة عليه: (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)، وإن الصلاح والفساد لهما أسباب، هما مقدران من الله جلَّ وعلا؛ ولكن هذا القدر له أسباب من قبل العبد، فإن قام الوالد بتربية أولاده على الخير من الصغر صاروا صالحين بإذن الله لأن والدهم بذل السبب، والله يعينه على ذلك، وأما إن أهملهم ولم يسأل عنهم نشئوا على الضياع وحينئذ يصعب عليه إرجاعهم إلى الإصلاح:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت **** ولا تلين إذا كانت من الخشب
فبادروا أولادكم وفقكم الله في التربية الصالحة، وحذروا من تضيعهم فإنكم في زمان تلاطمت فيه الفتن، والشهوات، والشبهات، وكثر دعاة الضلال ودعاة الشر بأشخاصهم وبالوسائل التي ينشرونها.
فاتقوا الله في أولادكم، النبي صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، أصل المولود أنه على الفطرة وهي الدين، دين الإسلام: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، فإذا حافظ الوالد على فطرة ولده ونماها بالخير شب عليها، وكبر عليها واستمر عليها بإذن الله، وإذا أفسد فطرته فسدت هذه الفطرة، مثل التربة الطيبة التي تنبت الخير والإنتاج، إذا أفسدت التربة فإنها لا تنتج، الفطرة كذلك، الفطرة مهيأ للخير، قابله للإصلاح والصلاح؛ لكن إذا اعتراها ما يفسدها فإنها تفسد، والسبب في ذلك هو الوالد، فحافظوا على فطرة أولادكم ونموها في الخير، قال صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ لسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْرِ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ، تدرج مع الطفل من حين يميز، إذا بلغ السابع من عمره فإنَّه يؤمر بالصلاة، ويلزم من ذلك أن يعود على الوضوء والطهارة، ويعلم الصلاة وما يجب فيها وما يسن، حتى يتعود عليها، وينشأ عليها، فإذا بلغ العاشرة إما أن يكون بلغ الاحتلام، وإما أن يكون قد راهق البلوغ فحينئذ يُنتقل إلى مرحلة ثانية في التربية: وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لعَشْر ، فإذ تساهل في الصلاة فإنه يضرب عليها حتى يذوق الألم والعقوبة، فيحافظ على الصلاة ويستمر عليها هكذا أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم مع الأولاد نتدرج بهم في أسنانهم، وأمَّا ما يشاع الآن من أن تربية الولد أو ضربه وتأديبه أن هذا من العنف الأسري فهذا جاءنا من أعداءنا من الغربيين المفسدين الذين يريدون أن يفسدوا علينا زوجاتنا وأولادنا، ويسمون هذا بالعنف الأسري، وهذا هو التربية الإسلامية التي تنشأ الأجيال على الصلاح والإصلاح، والعنف الأسري هو التضييع هو تضييع الأولاد والنساء، هذا هو العنف الأسري، وأما استصلاحهم فهذا هو الصلاح والإصلاح الذي جاء به ديننا.
عباد الله، إن حق الولد على والده سابق لحق الوالد على ولده، بعض النَّاس يقول أنا لي حق على الولد، نعم لك حق؛ لكن هو أيضا له حق عليك قبل حقك، وذلك بتربيته، ولذلك إذا بلغ وهو رجل صالح بالتربية الصالحة وكبر والده واحتاج إلى البر، الله جلَّ وعلا أمر الولد أن يقول: (وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، كيف إذا لم يربيه وهو صغير؟ هل يرجو منه البر؟ لا، كلا وألف كلا، إن الوالد الصالح قرة عين أبيه حيًا وميتا، ففي الحياة يبر به ويخدمه ويقوم بمصالحه خصوصًا إذا كبر، وبعد الموت يدعو له وينفذ وصاياه، وأوقافه، ويتولى شؤونه بعد موته خليفة لوالده، قال صلى الله عليه وسلم: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ، أمَّا إذا كان الولد فاسداً فإنه يدعو عليه، ولا يدعو له، والسبب في ذلك هو الوالد الذي ضيع ولده صغيرًا فعقه كبيرًا حيًا وميتا
Ещё видео!