إِسْلَامُ عَمْرُو بْنْ اَلْعَاصْ وَخَالِدْ بْنْ اَلْوَلِيدْ وَعُثْمَانْ بْنْ طَلْحَة 7 ه
وفي أوائل سنة سبع من الهجرة، بعد هذه الهدنة، أسلم: عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، وعثمان بن طلحة. ولما حضروا عند النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إن مكة قد ألقت إلينا أفلاذ كبدها" (أي: خيرة أبنائها).
عن خالد بن الوليد قال: لما أراد الله بي ما أراد من الخير، قذف في قلبي الإسلام، وحضرني رشدي، فقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صَلَّى الله عليه وسلم، فليس في موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمدًا سيظهر.
وكان أخوه الوليد بن الوليد قد دخل مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، فبحث عن خالد فلم يجده، فكتب إليه كتابًا فيه: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أما بعد؛ فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعقلك عقلك! وقد سألني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عنك، وقال: "أين خالد؟"، فقلت: يأتي الله به، فقال: "مثله جهل الإسلام! ولو كان جعل نكايته وجدَّه مع المسلمين كان خيرًا له، ولقدمناه على غيره". فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة.
قال خالد: فلما جاءني كتابه نشطت للخروج، وزادني رغبة في الإسلام، وسرني سؤال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عني، وأرى في النوم كأني في بلاد ضيقة مجدبة فخرجت في بلاد خضراء واسعة، فقلت: إن هذه لرؤيا، فلما أن قدمت المدينة قلت: لأذكرنها لأبي بكر، فقال: مخرجك الذي هداك الله للإسلام، والضيق: الذي كنت فيه من الشرك.
ثم عرض خالد على صفوان بن أمية أن يخرج معه ليسلم بين يدي الرسول صَلَّى الله علي وسلم، فأبى صفوان أشد الإباء، وقال: لو لم يبقى غيري ما اتبعته أبدًا. فذهب خالد إلى عكرمة بن أبي جهل، فرفض هو الأخر أن يصحبه ويسلم معه. ثم تكلم مع عثمان بن طلحة، فوافقه على ذلك، وتواعدا على اللقاء خارج مكة، فلم يطلع الفجر حتى كانا في طريقهما إلى المدينة.
وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه قد فكر فيما فكر فيه خالد بن الوليد؛ فبعد أن انتهت غزوة الخندق وضح أمامه الحق الذي لا شك فيه، ولم يزل يزداد يقينًا بمرور الأيام، حتى اتخذ قرارًا باعتناق الإسلام، وظل يتحين الفرصة للهجرة. وفي إحدى الليالي سار يقصد المدينة، وشاء الله أن يهاجر في ذات الليلة التي هاجر فيها خالد وصاحبه، وقابلهما في مكان يسمى: الهدة، فقال لهما: مرحبًا بالقوم، فقالا: وبك، فقال: إلى أين مسيركم؟ فقالا: وما أخرجك؟ فقال: وما أخرجكم؟ قالا: الدخول في الإسلام، واتباع محمد صَلَّى الله عليه وسلم، قال: وذاك الذي أقدمني، وساروا جميعًا حتى دخلوا المدينة.
فلبسوا أفضل ثيابهم، ثم ساروا إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في المسجد، فقابل الوليد بن الوليد أخاه خالدًا، فقال: أسرع؛ فإن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قد أخبر بك، فسر بقدومك، وهو ينتظركم. فأسرعوا المشي حتى دخلوا على النبي صَلَّى الله عليه وسلم.
يقول خالد: فاطلعت عليه، فما زال يتبسم إليّ حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد عليّ السلام بوجه طلق، فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله فقال: "تعال"، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي هداك، قد كنت أرى لك عقلًا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير". قلت: يا رسول الله، إني قد رأيت ما كنت أشهد من تلك المواطن معاندًا للحق، فادع الله أن يغفرها لي، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "الإسلام يجب ما كان قبله"، قلت: يا رسول الله، على ذلك! قال: "اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صد عن سبيل الله".
ثم تقدم عثمان بن طلحة وعمرو فبايعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؛ قال عمرو: فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه فما استطعت أن أرفع طرفي؛ حياءً منه، فبا يعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي، لم يحضرني ما تأخر، فقال صَلَّى الله عليه وسلم: "إن الإسلام يجب ما قبله، والهجرة تجب ما قبلها". وكان إسلام هؤلاء الثلاثة في صفر سنة ثمانٍ من الهجرة
Ещё видео!