في زَمَنٍ بَعيدٍ جِدّاً، قَبلَ أَكثَرَ مِن 230 مِليونِ سَنةٍ، كانَ كَوكَبُ الأَرضِ مُختَلِفاً تَماماً عَمّا نَعرِفُهُ اليَوم. لَم تَكُن هُناكَ مُدُنٌ أَو حَضاراتٌ بَشَرِيّةٌ، بَل كانَتِ الأَرضُ مُغَطّاةً بِغاباتٍ كَثيفَةٍ، مُحيطاتٍ شاسِعَةٍ، وَجِبالٍ بُركانيّةٍ تَملَأُ الأُفُقَ. في هذا العالَمِ القَديمِ، ظَهَرَت مَخلوقاتٌ عِملاقَةٌ كانَت سَتَحكُمُ الأَرضَ لِعَشَراتِ المَلايينِ مِن السِّنينَ: الدّيناصوراتُ.
بَدَأَتِ الدّيناصوراتُ بِالظُّهورِ خِلالَ الفَترَةِ التّرياسيّةِ، في وَقتٍ كانَتِ الأَرضُ فيهِ تَمُرُّ بِتَحَوُّلاتٍ كَبيرةٍ في المُناخِ وَالبِيئَةِ. في البِدايةِ، كانَتِ الدّيناصوراتُ صَغيرةً وَمَحدودةَ العَدَدِ، لَكِن بُمُرورِ الوَقتِ، بَدَأَت تَنمو وَتَتَنَوَّعُ، حَتّى أَصبَحَت الحَيواناتُ الأَكثَرَ سَيطَرَةً عَلى اليابِسَةِ.
عَصرُ الدّيناصوراتِ في العَصرِ الجوراسيِّ، قَبلَ حَوالَي 200 مِليونِ سَنةٍ، كانَتِ الدّيناصوراتُ قَدِ انتَشَرَت في جَميعِ أَنحاءِ الأَرضِ. أَصبَحَ هذا العَصرُ هُو "العَصرُ الذّهَبِيُّ" لِلدّيناصوراتِ، حَيثُ ظَهَرَت العَديدُ مِنَ الأَنواعِ الكَبيرةِ وَالمُذْهِلةِ. التّي رِكس، عَلى سَبيلِ المِثالِ، هُو أَحَدُ أَشْهَرِ الدّيناصوراتِ عَلى الإطلاقِ. كانَ يَمتَلِكُ فَكّينِ هائِلَينِ وَأَسنانهُ الحادَّةُ يُمكِنُ أَن تَمزِقَ فَريستَها بِسُهولةٍ. كانَ طولُهُ يَصِلُ إِلى 12 مِتراً، وَوَزنُهُ عِدَّةُ أَطنانٍ، وَكانَ يُعتَبَرُ أَقوى المُفتَرِسينَ في عَهدِهِ.
لَكِن لَم يَكُن جَميعُ الدّيناصوراتِ مُفتَرِسينَ. التّريسيراتوبس، عَلى سَبيلِ المِثالِ، كانَ نَباتِيّاً ضَخمًا، طولُهُ حَوالَي 9 أَمتارٍ، وَكانَ يَمتَلِكُ ثَلاثَةَ قُرونٍ طَويلَةٍ وَدِرعًا عَظمِيًّا يَحمي رَقَبَتَهُ. عاشَ في سُهولٍ خَضراءَ، وَكانَ يَتَغَذّى عَلى النّباتاتِ، مُستَخدِمًا قُرونَهُ لِلدِّفاعِ عَن نَفسِهِ مِن المُفتَرِسينَ مِثلَ التّي رِكس.
أَمّا البُرونتوصورُ، فَكانَ مِن أَضخَمِ الدّيناصوراتِ عَلى الإطلاقِ. طولُهُ وَصَلَ إِلى أَكثَرَ مِن 20 مِتراً، وَكانَ يَتَغَذّى عَلى أَوراقِ الأَشجارِ العالِيَةِ الّتي لا تَستَطيعُ الدّيناصوراتُ الأُخرى الوُصولَ إِلَيها. كانَ يَتحَرَّكُ بِبُطءٍ وَلَكِن بِثَباتٍ، مُستَخدِمًا رَقَبَتَهُ الطّويلَةَ لِانتِقاءِ أَوراقِ النّباتاتِ مِن أَعالي الأَشجارِ.
العالَمُ الطّبيعِيُّ لِلدّيناصوراتِ عاشَتِ الدّيناصوراتُ في بِيئاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، مِن الغاباتِ المَطيرَةِ الكَثيفَةِ إِلى الصّحاري القاحِلَةِ، وَمِن المُستنقَعاتِ الرَّطِبَةِ إِلى السُّهولِ الواسِعَةِ. الأَرضُ في ذَلِكَ الوَقتِ كانَت مُوحَّدَةً في كُتلةٍ قارِّيَّةٍ عِملاقَةٍ تُعرَفُ بِاسمِ "بانجيا"، وَالتي بَدَأَت فِيما بَعدُ بِالتَّفَكُّكِ بِبُطءٍ لِتُشَكِّلَ القارّاتِ الّتي نَعرِفُها اليَومَ.
كانَ المُناخُ في عَهدِ الدّيناصوراتِ أَكثَرَ دِفئًا، وَكانَت مُستَوياتُ الأُكسُجينِ أَعلى، مِمّا سَمَحَ لِهَذِهِ المَخلوقاتِ بِالنّموِّ إِلى أَحجامٍ هائِلَةٍ. عاشَ بَعضُها في مَجموعاتٍ كَبيرةٍ، مِثلَ الدّيناصوراتِ النّباتِيَّةِ العِملاقَةِ، الّتي كانَت تَتَجوَّلُ في قُطعانٍ لِحِمايَتِها مِن المُفتَرِسينَ. وَكانَ البَحرُ مَليئًا بِالكائِناتِ البَحرِيَّةِ الضَّخمَةِ الّتي تَعيشُ جَنبًا إِلى جَنبٍ مَعَ الدّيناصوراتِ.
الحَدَثُ الكارِثِيُّ وَانقِراضُ الدّيناصوراتِ وَلَكِن، كَما كُلُّ شَيءٍ في هذا العالَمِ، حَتّى عَهدُ الدّيناصوراتِ كانَ لَهُ نِهايَةٌ. قَبلَ حَوالَي 66 مِليونِ سَنةٍ، حَدَثَ ما يُعتَبَرُ أَحَدَ أَكثَرِ الأَحداثِ الكارِثِيَّةِ في تاريخِ الأَرضِ. اِصطَدَمَ كُوَيكِبٌ ضَخمٌ، عَرضُهُ حَوالَي 10 كِيلومتراتٍ، بِكوكَبِ الأَرضِ في مِنطَقَةٍ ما تُعرَفُ الآنَ بِشِبهِ جَزيرَةِ يوكاتان في المَكسيكِ. أَدّى هذا الاِصطِدامُ إِلى اِنفِجارٍ هائلٍ حَرَّرَ طاقَةً تَفوقُ مِلياراتِ القَنابِلِ النَّوَوِيَّةِ.
نَتَجَ عَن هذا الاِصطِدامِ دَمارٌ واسِعُ النِّطاقِ. اِرتَفَعَت غُيومٌ ضَخمَةٌ مِن الغُبارِ وَالرَّمادِ إِلى الغِلافِ الجَوِّيِّ، وَحَجَبَت ضَوءَ الشّمسِ لِأَشهُرٍ أَو حَتّى سَنواتٍ. بَدَأَت دَرَجاتُ الحَرارَةِ عَلى سَطحِ الأَرضِ بِالانخِفاضِ بِشَكلٍ حادٍّ، مِمّا أَدّى إِلى القَضاءِ عَلى النّباتاتِ، ثُمّ الحَيواناتِ الّتي تَعتمِدُ عَلَيها. كَما تَسَبَّبَ الاِصطِدامُ في اندِلاعِ البَراكينِ وَالزَّلازِلِ، ما زادَ مِن تأثيرِ الكارِثَةِ.
نَتيجَةً لِهَذِهِ الظُّروفِ القاسِيَةِ، اِنقَرَضَت الدّيناصوراتُ بِشَكلٍ سَريعٍ. يُعتَقَدُ أَنّ أَكثَرَ مِن 75% مِن أَنواعِ الحَياةِ عَلى الأَرضِ قَدِ اختَفَت خِلالَ هذا الانقِراضِ الجَماعِيِّ. وَمَعَ ذَلِك، لَم تَنقَرِض كُلُّ أَشكالِ الحَياةِ. بَعضُ الحَيواناتِ الصَّغيرَةِ مِثلَ الطُّيُورِ وَالثَّدِيِّيَاتِ نَجَت وَاستَمَرَّت في التَّطَوُّرِ لِتُصبِحَ الأَنواعَ الّتي نَراها اليَومَ.
الدّيناصوراتُ الحَديثَةُ وَمِنَ المُدْهِشِ أَن نَقولَ إِنّ الدّيناصوراتِ لَم تَنقَرِض بِالكامِلِ. إِنّ الطُّيُورَ الحَديثَةَ تُعتَبَرُ أَحفادًا مُباشِرَةً لِلدّيناصوراتِ. لِذَلِكَ، عِندَما تَرى عَصفُوراً يُغَرِّدُ عَلى الشَّجَرَةِ أَو نَسرًا يُحَلِّقُ في السَّماءِ، فَإِنّكَ تُشاهِدُ أَحَدَ آخِرِ أَحفادِ تِلكَ المَخلوقاتِ العِملاقَةِ الّتي جابَت الأَرضَ مُنذُ مَلايينِ السِّنينَ.
خِتاماً، يَظَلُّ عالَمُ الدّيناصوراتِ مَليئًا بِالغُمُوضِ وَالإِثارَةِ. رَغمَ انقِراضِها، لا تَزالُ آثارُها مَوجودَةً في الحَفَرِيّاتِ الّتي نَكتَشِفُها اليَومَ، وَتَظَلُّ مَصدَرَ إِلهامٍ لِلعُلَماءِ وَالمُستَكشِفينَ في كُلِّ مَكانٍ...
Ещё видео!