سحر الشرق موسيقى فيلم دمي ودموعي وابتسامتي تأليف: إلياس الرحباني 1973HD
دمي ودموعي وابتسامتي فيلم من تأليف إحسان عبد القدوس وإخراج حسين كمال صدر عام 1973م.
بطولة: نجلاء فتحي – نور الشريف – حسين فهمي – كمال الشناوي – صلاح نظمي
يبدو الحديث هنا عن الموسيقى، نوعاً من محاولات استعارة البهجة ومواجهة الضغوط التي تحاصرنا من كل صوب، محاولة لترقيق الأحوال الصعبة؛ هذا أمر عادل في هذه الحياة المحتشدة بكل أنواع الرعب والعنف، أوبئة وانفجارات وإرهاب وغيره، فما بالكم لو كانت هذه الموسيقى تتسلل من فيلم يأخذنا إلى مطارح الخيال، بعيداً عن التقلب في الواقع المجنون.
تعرف الفيلم من موسيقى مقدمته ويجنح بك الخيال إلى أقصى مدى مع "دمي ودموعي وابتساماتي"؛ الفيلم الذي أخرجه حسين كمال في العام 1973 عن رواية إحسان عبد القدوس، عام بعيد نسبياً عن جيل أو أكثر لم يكن قد وُلد بعد ولا شاهد الفيلم أو تعرف على أبطاله نجلاء فتحي، نور الشريف، حسين فهمي، لكنه إرتبط بتلك الموسيقى التي لازالت تصدح حتى هذه اللحظة كواحدة من مفاتيح الرومانسية والمشاعر الجياشة، كما لو كانت تغطي مساحات من الفراغ الآدمي.
ههنا موسيقى لا تلامس ماضياً أو حاضراً، وإنما تدرب الروح على التحرر من وحشة الواقع وظلاله الداكنة، ولعله ههنا أيضًا يكمن السؤال حول أهمية الموسيقى من هذه الناحية، كطوق نجاة؛ وخصوصًا إذا كانت موسيقى تصويرية في فيلم، فكيف يمكن أن تمر في عالمنا ومجتمعاتنا التي تهتم أكثر بالكلمات، تصغى للأغاني وترددها بحماس، بينما لا تشغف بالسيمفونيات والمقطوعات الموسيقية؟.. وههنا كذلك يجيبنا تيتر الفيلم بموسيقى تجدد الحياة، وتقفز فوق الفكرة الثابتة: إيقاع البيانو يتبادل مع أوتار الكمنجات والتشيللو والهارب، نغمات حريرية، تركض بمستمعها إلى أفق آخر وتجعله يشعر بأن كل شيء سوف يبدأ من جديد، وفق نوتة موسيقية وضعها الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، صاحب الرصيد الهائل من المقطوعات الكلاسيكية على البيانو؛ آلته الموسيقية التي تعبر عن ذاته وتعينه على رسم إيقاعه الرومانسي، وهو ذاته الإيقاع التصويري لفيلم "دمي ودموعي وابتساماتي" مع خمسة وعشرين فيلمًا أخرى منها فيلما المخرج هنري بركات :"أجمل أيام حياتي" (1974) بطولة نجلاء فتحي وحسين فهمي، "حبيبتي" في نهاية نفس العام بطولة فاتن حمامة ومحمود ياسين، الموضوعان الرومانسيان يختلفان عن بعضهما وكذلك عن الحالة في فيلمنا "دمي ودموعي وابتساماتي"، وإن كانت الأفلام الثلاثة ظهرت فيهما بيروت كمحور جغرافي أساسي على خلفية من الأحداث، رأينا خلالها بيروت السبعينية التي كانت تتجه صوب الانفتاح والتحرر بجرأة؛ عبرت عنها السينما من خلال تناولها لموضوعات الحب والجسد.
موسيقى إلياس الرحباني في الفيلم تحركت إلى أبعد من الحكاية الدرامية بما احتوته من قسوة تعرضت لها الفتاة "ناهد" التي تضحي بحبيبها من أجل إنقاذ أسرتها من الوقوع في براثن الفقر بعد تدهور أحوال والدها المادية، ووقوعها هي شخصياً في فخاخ التنازلات الكبيرة من أجل الحفاظ على المظهر العائلي، كحكاية فاضحة لعالم رجال الأعمال وسيطرة رأس المال لدرجة أنها تسحق فتاة بريئة، فإن الموسيقى تبادلت مع القصة أجوائها الرومانسية بما احتوته من حب وفقدان وألم في عالم متوتر وقلِق، ليكوّن الرحباني موجة مقابلة توحي بالأمل، ولعل هذا ما حاول المخرج حسين كمال صنعه في الفيلم الذي كرس لنجومية أبطاله نور الشريف، حسين فهمى، نجلاء فتحى كرموز للرومانسية حينذاك، فعلها حسين كمال صاحب (المستحيل، البوسطجي، إمبراطورية ميم، شيء من الخوف، الحب تحت المطر، النداهة، أبي فوق الشجرة وغيرها)، من وحي كتابة إحسان عبد القدوس وخيالها الجامح، خصوصاً فيما نقلته السينما من رواياته وقصصه عن الحب والمرأة عبر أكثر من أربعين فيلماً، كان لحسين كمال نصيب كبير منها؛ حيث قدم تسعة أفلام بدأها بفيلم "أبي فوق الشجرة" الذي حقق نقلة نوعية في الأفلام الاستعراضية؛ وصفها كمال قائلاً:"هو اللقاء الأول بيني وبين الجمهور العريض، وتطلب الأمر تغييراً شاملاً في فكري وأسلوبي"، ربما هذا التغيير الذي أشار إليه حسين كمال نرى بعضاً منه على مستوى الصورة المبهرة في استعراضها التفصيلي لـ"بيروت" الجميلة، ثم المغرب بفنونه ورقصاته الشعبية، إنه استعراض للجمال يليق بالحدوتة التي يسردها الفيلم وتداعب الخيال كما في الحواديت القديمة، حيث ست الحسن والجمال مشدودة بين صراع الخير والشر، المرأة الجميلة هنا هي البطلة ومحور الحدث؛ تلاحقها الصورة والموسيقى التي صاغها إلياس الرحباني مزجاً بين مفاتيح البيانو وأوتار الكمان وعائلته من التشيلو والهارب، بين التقليدي والمعاصر، ليصنع في النهاية لحناً مؤثراً ومنافساً في المرحلة السبعينية التي اشتهرت بالأفلام الشهيرة بجملتها الموسيقية مثل “Love Story” و”God Father” وغيرها من أعمال اتسمت بأسطوريتها السينمائية، ومن هذه الأجواء خرجت موسيقى إلياس الرحباني معبرة عن بطلة الفيلم وتنقلها بين الحالة النفسية من رخاء إلى عذاب ثم أمل، وبين توزعها الجغرافي من مصر إلى لبنان إلى المغرب، وبقيت موسيقى مقدمة "دمي ودموعي وابتساماتي" حاضرة في ذاكرة الجماهير بتقاسيمها الموحية؛ داعمة لأهمية الموسيقى التصويرية، بل ومؤكدة على أنها قد تصبح هي الأشهر من الفيلم والحكاية.
Ещё видео!