﷽
التفسير: ((وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ)) أي اقرأ يا محمد على هؤلاء الحسدة من اليهود وأشباههم خبر "قابيل وهابيل" ابنيْ آدم ملتبسةً بالحق والصِّدق وذكّرهم بهذه القصة فهي قصة حق ((إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ)) أي حين قرَّب كلٌ منهما قرباناً فتُقبل من هابيل ولم يُتقبل من قابيل
قال المفسرون: سبب هذا القربان أن حوّاء كانت تلد في كل بطنٍ ذكراً وأنثى وكان يزوّج الذكر من هذا البطن الأنثى من البطن الآخر فلما أراد آدم أن يزوّج قابيلَ أخت هابيل ويزوّج هابيل أخت قابيل رضي هابيل وأبى قابيل لأن توأمته كانت أجمل فقال لهما آدم: قرّبا قرباناً فمن أيكما تُقبل تزوجها، وكان قابيل صاحب زرع فقرّب أرذل زرعه وكان هابيل صاحب غنم فقرّب أحسن كبشٍ عنده فقبل قربانُ هابيل بأن نزلت نارٌ فأكلته فازداد قابيل حسداً وسخطاً وتوعّده بالقتل
((قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ)) أي قال قابيل لأخيه هابيل لأقتلنك قال: لمَ؟ قال لأنه تقبل قربانك ولم يتقبل قرباني قال: وما ذنبي؟ (( قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ)) أي إِنما يتقبل ممن اتقى ربه وأخلص نيته، قال البيضاوي: توعّده بالقتل لفرط الحسد له على تقبل قربانه فأجابه بأنك أُتيت من قِبَل نفسك بترك التقوى لا من ...
... إِليَّ يدك ظلماً لأجل قتلي ما كنتُ لأقابلك بالمثل قال ابن عباس المعنى: ما أنا بمنتصر لنفسي ((إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ)) أي لا أمدُّ يدي إِليك لأني أخاف ربَّ العالمين قال الزمخشري: قيل: كان هابيل أقوى من القاتل ولكنه تحرّج عن قتل أخيه خوفاً من الله #المائدة_28
((إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ)) أي إِن قتلتني فذاك أحبُّ إِليَّ من أن أقتلك، قال أبو حيان: المعنى إِن سبق بذلك قَدَرٌ فاختياري أن أكون مظلوماً ينتصر الله لي لا ظالماً وقال ابن عباس: المعنى لا أبدؤك بالقتل لترجع بإِثم قتلي إِن قتلتني، وإِثمك الذي كان منك قبل قتلي فتصير من أهل النار ((وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ)) أي عقاب من تعدّى وعصى أمر الله #المائدة_29
((فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ)) أي زيّنت له نفسه وسهّلت له قتل أخيه فقتله فخسر وشقي، قال ابن عباس: خوّفه بالنار فلم ينته ...
... الله غراباً يحفر بمنقاره ورجله الأرض ليُري القاتل كيف يستر جسد أخيه، قال مجاهد: بعث الله غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر له فدفنه، وكان ابن آدم هذا أول من قُتِل، وروي أنه لما قتله تركه بالعراء ولم يدر كيف يدفنه حتى رأى الغراب يدفن صاحبه فلما رآه ((قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي)) أي قال قابيل متحسراً يا ويلي ويا هلاكي أضعفتُ أن أكون مثل هذا الطير فأستر جسد أخي في التراب كما فعل هذا الغراب؟ ((فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ)) أي صار نادماً على عدم الاهتداء إِلى دفن أخيه لا على قتله، قال ابن عباس: ولو كانت ندامته على قتله لكانت ...
... فِي ٱلأَرْض)) أي من أجل حادثة "قابيل وهابيل" وبسبب قتله لأخيه ظلماً فرضنا وحكمنا على بني إِسرائيل أن من قتل منهم نفساً ظلماً بغير أن يقتل نفساً فيستحق القصاص وبغير فسادٍ يوجب إِهدار الدم كالردّة وقطع الطريق ((فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً)) أي فكأنه قتل جميع الناس، قال البيضاوي: من حيث انه هتك حرمة الدماء وسنَّ القتل وجرأ الناس عليه، والمقصود منه تعظيم قتل النفس وإِحيائها في القلوب ترهيباً عن التعرض لها وترغيباً في المحاماة عليها
((وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)) أي ومن تسبَّب لبقاء حياتها واستنقذها من الهَلَكة فكأنه أحيا جميع الناس، قال ابن عباس في تفسير الآية: من قتل نفساً واحدةً حرّمها الله فهو مثلُ من قتل الناس جميعاً ومن امتنع عن قتل نفسٍ حرمها الله وصان حرمتها خوفاً من الله فهو كمن أحيا الناس جميعاً ((وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ)) أي بعدما كتبنا على بني إِسرائيل هذا التشديد العظيم وجاءتهم رسلنا بالمعجزات الساطعات والآيات الواضحات ((ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)) أي ثم إِنهم بعد تلك الزواجر كلها يسرفون في القتل ولا يبالون بعظمته #المائدة_32
قال ابن كثير: هذا تقريعٌ لهم وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها، وقال الرازي: إِن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة أقدموا على قتل الأنبياء والرسل وذلك يدل على غاية قساوة قلوبهم ونهاية بعدهم عن طاعة الله تعالى، ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم لأنهم عزموا على الفتك به وبأصحابه كان تخصيص بني إِسرائيل بهذه المبالغة العظيمة مناسباً للكلام ومؤكداً للمقصود.
Ещё видео!