فضيلة الدكتور عدنان ابراهيم
عنوان الخطبة: واضربوهن؟
فهذه آية عجيبة تقول الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩، وهذه القوامة التي لا يُفلِح أكثرنا في فهمهما أيضاً وتوجيهها من أحسن ما وقفنا عليه في تأويلها قول الفخر الرزاي، الإمام المُفسِّر المُتكلِّم الشهير الجليل في تفسيره مفاتيح الغيب قال معنى قول الله الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩ أن قوَّامون – قوَّام وقيِّم، فعَّال وفيعَّل – من القيام بالشيئ، وأصل القيام بالشيئ هو القيام عليه تدبيراً له واستصلاحاً له، فتقوم بأمر زوجك كما تقوم بأمر صغيرك، تهتم بها وبمعاشها وبرزقها وبكسوتها وبطعمتها أيضاً وبكل ما يتعلق، فأنت المسؤول وهذا معصوبٌ بجبينك – كما تقول العرب – ومطلوبٌ منك، فأنت مسؤولٌ عن هذا ومعصوبٌ بجبينك أنت، والنفقة أنت الذي تسوقها وأنت الذي تُدِّرها والمهر أنت الذي تسوقه أيضاً، ومن هنا قال الله الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩ لماذا؟ قال بِمَا ۩ وهذه باء السببية للتعليل، فالله يقول بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۩، وليس المقصود هنا ذكر وأنثى، فهذا لا غير صحيح، وحتى العقاد هنا لم يُفلِح أن يفهم الآية كما فهمها الفخر الرزاي، وأين العقاد من الفخر؟ الفخر شيخ المُفسِّرين في وقته، هو الإمام البحر والعلم العلَّامة، لكن العقاد قال بتفضيل الفطرة، أي ذكر وأنثى، والعقاد في العموم كان موقفه سالباً أو سلبياً من المرأة، وهذا أمر معروف، فموقفه ليس موقفاً مُتعاطِفاً أو منحازاً إلى المرأة، وعلى كل حال الفخر الرزاي قال اعترض – أي اعترضت – النساء – النساء اعترضن وادّعين هذه الدعوى – على تفضيل الله – تبارك وتعالى – الرجال عليهن في الميراث، لماذا؟ لماذا القاعدة فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ۩؟طبعاً هناك حالات استثنائية كثيرة لكن هذه القاعدة تنتظم أكثر الحالات فيها، فالمرأة عموماً بنتٌ ثم زوجة، وأقل من ذلك حالات أخرى، قد تُساوي الرجل وقد تتفوق عليه، لكن أكثر الحالات أن تكون بنتاً وأن تكون زوجة، فهذه لها النصف وهذه لها النصف، هذه لها النصف من حظ الرجل وتلك أيضاً النصف من حظ الرجل، فكأن لم يُعجِبهن ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ۩، فقالوا هم الذين يمونون النساء، فهم يقومون على الأسرة وهم الذين يسوقون المهور وهم الذين يدِّرون النفقات، ولذلك تكاليف الرجل أعلى، فمن باب الغُرْمُ بالغُنْم أن الرجل يكون حظه من الميراث أيضاً أعلى، ثم يقول الفخر الرازي في آخر الفقرة فكأن لا فضل، أي كأن لا يُوجَد أي تفضيل في النهاية، فهذه زيادة من هذا الجانب ووافقتها وقابلتها زيادة في ذلك الجانب، ولذا يقول الفخر فكأن لا فضل، أي لا تفضيل إذن فهما مستويان، ولذلك تقول الآية الكريمة وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ ۩، قيل هى درجة القوامة، فهذا مطلوب منه وليس منها احتراماً أيضاً لها وإنعاشاً وإراحةً لها، فلا تُكلَّف بأن تكدح وأن تسعى سحابة النهار أبداً، والمُتعة بينهما مُتبادَلة، لكن هذا يُعصَب بجبين الرجل، فمن باب العدل والإنصاف أن يُزاد في نصيبه في الميراث، وهذه هى القاعدة وهذا سبب النزول وهذا معنى بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۩، في ماذا؟ في الميراث، يفضلها في الميراث فيُنفِق عليها ويسوق لها المهر، ثم قال وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۩، فهذه هى القضية إذن وليس أكثر من هذا!
إذن الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ۩، وللأسف الآن في الفكر الإسلامي أو في الشائع الإسلامي عند العامة بالذات يظنون أن الرجل بما هو مُفضَّل على امرأة، أي كل امرأة بما هى، وهذا شيئ عجيب جداً، وبعض الناس يُريد أن يُمارِس القوامة على امرأة في الشارع، لكن يا أخي هذه ليست زوجتك، أنت قوَّام على زوجك، بمعنى أنك تُنفِق عليها، وليس معنى أنك قوَّام أنك تسحق شخصيتها وتُلغي قرارها وتضربها متى شئت في الأصابح والأماسي وتقول أنا قوَّام، هذا كلام فارغ هذا وهذا ليس من دين الله، دين الله فعلاً دعوة تحررية وتحريرية مُتقدِّمة.
يشهد الله – تبارك وتعالى – حين أقرأ هذه التشريعات الإلهية الثابتة طبعاً في صحيح السُنة والمُتواتِرة في كتاب الله أنني يأخذني يقين ويغلبني يقين أن هذا الشرع من عند الله، وأُقسم بعزة جلال الله :لو كان هذا الشرع من عند محمد ما قدر ولا أفلح ولا استطاع ولا أمكنه – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يشرع عشر بُعيشيره، لماذا؟ لأنه يسير في اتجاه مُضاد للتيار – تيار المُجتمَع – تماماً، فالمُجتمَع العربي كله غير هذا، والمرأة لم يكن لها تلكم المثابة في المُجتمَع العربي، فمَن أين تأتي يا رسول الله وتقول هذا؟ والآن سوف ترون كيف، سوف ترون الخلفية التي عليها نزلت هذه الآية – آية القوامة وآية الضرب – لأن المُجتمَع المسلم كاد أن ينفجر، وكان من المُمكِن أن يحصل تمرد على رسول الله من الصحابة أنفسهم، فيقولوا له هذا كفاية ولا نُريد أكثر من هذا، لأن الرسول سبقهم بمراحل فلكية في تحرير المرأة وهم لا يحتملون هذا، والنساء – كما نقول بالعامية الآن – تمردن قليلاً، فزأرن واجترأن وتجاسرن على الرجال من فرط ما مكنهن، والآن يقولون لك تمكين المرأة Empowerment، هذا هو التمكين، فالنبي مكنهن تمكيناً حقيقياً، والمرأة كان لها حضور سياسي وعسكري أيضاً وشوروي في مجالس الرأي المُختلِفة، وفي قضايا كثيرة كانت المرأة حاضرة باستمرار في مُجتمَع رسول الله المديني أو المدني، والرجال لم يكن هذا ليُعجِبهم كثيراً، فهذا لا يُعجِبهم لأنه مُتحرِّر بشكل زائد عن اللازم كما يرون، ولذلك سوف ترون بالدليل – الدليل الأثري لأن هذه ليست استنباطات عقلية أو انفعالية
Ещё видео!