فضيلة الدكتور عدنان ابراهيم
عنوان الخطبة: واضربوهن؟
نعود ونقول إذن الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ – أي غيب الرجل، فهى تحفظه في مشهده وفي مغيبه بالذات – بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ۩، ما هو النشوز؟ الشائع – وهو تفسير وارد وصحيح – أن النشوز هو المعصية، أي عصيان المرأة أمر زوجها ومُخالَفة المرأة لأوامر زوجها، لكن هذا لا تُعطيه اللغة بأصل الوضع، فأصل كلمة النشوز لا يعني العصيان، قال تعالى في المجادلة وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا ۩، فما معنى انشُزُوا ۩؟ ارتفعوا، لماذا؟ حين يكون المجلس ضيقاًكيف نُوسِّعه؟ لابد أن نقف في الأول، نقف ونُعيد ترتيب مجالسنا ومواطننا ثم نعود في المجلس، فالله يقول انشُزُوا ۩ أي قوموا، والنشز والنشاز هو المُرتفِع من الأرض، وحتى في علم الموسيقى والصوتيات يُقال لك نشاز أو نشَّز فلان في الكورس Chorus، ومعنى نشَّز هنا أي ارتفع صوته عن صوت المجموع، فهذا هو الارتفاع إذن، والنشز والنشاز من الأرض هو ما ارتفع منها، فإذن هو الترَّفع والارتفاع، وبالتالي معنى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ۩ أي ترَّفعهن، بمعنى أن المرأة تترفع، وما معنى أن تترفع؟ أن تستكبر على زوجها وتحقره وتزدريه وتُزري عليه، أي أنه لا يملأ عينها كما يُقال، فهذا هو الأصل، وأما تفسير النشوز بالعصيان – وعليه تقريباً جمهور المُفسِّرين لكن ليس كل المُفسِّرين – فأنا أرى أنه – وهو كذلك إن شاء الله – من باب التفسير باللازم، لكن ما معنى التفسير باللازم؟ لأن من لوازم الترفع العصيان، فلا يُمكِن أن المرأة ترى نفسها أرفع من زوجها وأعلى وأكرم وأشرف ثم تُطيعه في كبير الأمر وصغيره، بل سوف تبدأ تعصي أوامره وتقول له مَن أنت؟ لست أنت مَن يصدر لي أوامر ولست أنت مَن يوجهني ولست أنت مَن ينتقدني، فهى لا تراه أصلاً، مثلما ترفعت زينب بنت جحش على مَن؟ على زيد بن حارثة، فهى ترفعت وكانت تراه أنه مُجرَّد عبد، وهو كان عبداً والنبي تبناه، ومن ثم رأت أنها أفضل منه وأنها سيدة بنت سادة وبنت سيدات، فطبعاً لم تستقم العشرة بينهما بسبب ترفع المرأة.
إذن هذا التفسير بأن أصل النشوز هو الارتفاع – نحن نُفسِّره بأصله وبأصل الوضع – أوفق، لكن لم؟ هل تعرفون لماذا؟ لأن القرآن العظيم ذكر نشوز الرجال أيضاً، فتفسير النشوز على أنه العصيان دائماً لا يُمكِن وإلا ما معنى أن الرجل يعصي أمر زوجته؟ هى ليس عندها صلاحيات أن تُصدِر أوامر على الأقل في الثقافة الشائعة، فكيف تقول لي أن معنى نشوز الرجل أنه يعصي أوامر زوجته؟ هذا غير مقبول عندكم، فغير مقبول لديكم أن يعصي أوامر الزوجة، لكن كيف يُقال هذا؟ قال الله وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً ۩، والبعل هنا هو الذي ينشُز أو ينشِز، فما معنى هذا؟ معنى النشوز الترفع، فمن المُمكِن أن يترفع الرجل على زوجته، فيرى نفسه أفضل منها بحكم السن أو بحكم الجمال أو بحكم المال أو بحكم العلم أو بحكم المثابة الاجتماعية أو بحكم أشياء كثيرة ومن ثم يترفع عليها، وهذا يجعل العشرة تتحرج وتتضيق وتُصبِح المعيشة الزوجية ضيقة وغير مُحبَّبة وغير سلسة وغير سهلة، فتبدأ تتولد المشاكل وتتناتج، مُشكِلة بنت مُشكِلة بنت مُشكِلة بنت مُشكِلة حفيدة مُشكِلة، وهكذا تزداد باستمرار وقد يتفاقم الأمر ربما، وعلى كل حال هذا هو أصل الكلمة، فالمرأة إن ترفعت على زوجها – كما قلنا – تعصيه – وهذا أرجح، فيترجَّح أنها تعصي أوامره وقد لا تُمكِّنه من نفسها، واجتهادي الشخصي – والله تبارك وتعالى عنده العلم والحكم – أن ربما يكون الأرجح في تفسير الآية أن النشوز هنا من باب الكناية عن ماذا؟ عن عدم التمكين وعن عدم الرغبة في المُجامَعة وفي المُضاجَعة وعدم الرغبة في الفراش، فالرجل قد ينشز بمعنى أنه يرتفع ولا يُريد الفراش، وكذلك المرأة قد تنشز بمعنى أنها لا تُريد أيضاً، وبهذا فسَّره شيخ مُفسِّري التابعين مُجاهِد بن جبر، ولم يُلتفَت كثيراً لهذا التفسير على أنه قويٌ جداً ومُلتئم بأصل الكلمة الذي أتى من الترفع، أي الترفع عن هذا الفراش، فالرجل قد لا يُريد ويقوم أو هى قد لا تُريد الفراش، وقال مُجاهِد بن جبر أن معنى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ۩ أي عدم المُطاوَعة منهن في الفراش، فهى لا تُريد الفراش، لا تُريد أن تُمكِّن زوجها وبعلها منها، وهذا هو النشوز، وهذا معناه أن هذه هى الحالة فقط التي ساق القرآن وسائل ثلاثة لمُعالَجتها، فلا تقل لي الضرب أمر شرعي ورخصة شرعية وعلى الحامي وعلى البارد تقول إلى أين ذهبتي وإلى جئتي أو احترق الطبخ أو دراسة الولد سيئة ومن ثم تضربها لأن الله قال وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ۩، أي دين هذا؟ وأي فقه هذا؟ وأي تلاعب بالدين هذا؟ هذا تلاعب بالدين وهذا يجعل حتى النساء غضباوات، فتغضب المرأة المسلمة من هذا وترى نفسها تُمتهَن بإسم الدين وبإسم المُفسِّرين وبإسم كذا وكذا وهذا لا يجوز، وعلى كل حال النشوز مسالك العلماء في تفسير المراد منه كثيرة، فمنهم مَن قال هذا ومنهم مَن قال ذاك، ومنهم مَن قال البغضة أو البغض، أي أن تبغض – يُقال بغضه وأبغضه، فإذا قيل بغضه يُقال يَبغضه، وإذا قيل أبغضه يُقال يُبغِضه – زوجها، وهناك أشياء أخرى كثيرة
Ещё видео!