يعد اللواء د. عبد الكريم درويش الأب الروحي لعدة أجيال من ضباط الشرطة، وهو مؤسس أكاديمية الشرطة وفي هذا الفيديو النادر جانب من اختبار كشف الهيئة برئاسته وعضوية عدد من قيادات الأكاديمية ووزارة الداخلية
كنت من جيل محظوظ سبقته وأعقبته نحو خمسة أجيال أقدم ، وأخرى أحدث أيضًا، حظيت بدراسة القانون على يد أساطينه وكبارِ الأساتذة الذين لا يعرفهم الجيل الجديد إلا من خلال قراءة أسمائهم في المراجع، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ، مع الاحتفاظ بالألقاب فهم أعلام لا يحتاجونها ، العلامة رؤوف عبيد، شيخ أساتذة الإجراءات الجنائية، وأذكر أنه كان يتحدث باعتزاز وفخر، لأنه ساهم مع زملائه وتلاميذه في إلغاء عقوبة الأشغال الشاقة، ومنع إجبار السجناء على كسر الصخور في الجبال، وأحمد سلامة عبقري القانون المدني الذي أساء إليه منصب الوزارة، في واقعة فساد تهريب من كانت تسمى المرأة الحديدية، والله أعلم إذا كان قد تورط في ذلك أم أن كبار الموظفين فعلوها وتحمل هو مسؤوليتها السياسية كوزير، وفتحي سرور ولا يحتاج لتعريف فقد كان مرجعا في القانون الجنائي، وأرى أن منصب رئاسة البرلمان كان خصما من قدره العلمي، ولم يشكل أي إضافة له، فالسياسة مفسدة بطبيعتها، والعبقري الشهيد رفعت المحجوب عمدة الاقتصاد السياسي الذي اغتالته يد الغدر الإرهابية في واقعة مشهورة حين كان رئيسًا للبرلمان، وعميدا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وأشهد لهذا الأستاذ الكبير بانضباطه البالغ فقد كان يطرد أي طالب إذا لمحه يهمس لزميله ، وكانت محاضراته أشبه بالصلاة في وقارها ورهبتها، ولا أنسى شيخ القانون الإداري سليمان الطماوي الذي كان ينتقد حكم السادات وسلفه وخليفته في محاضراته داخل أكاديمية الشرطة، وكان نقده لاذعا صريحا وكثيرا ما كان يصفهم بأنهم (عُصبة من الجهلة المستبدين الذين تسببوا بانحطاط كافة أشكال الحياة في مصر) ولم يكن يجرؤ أحد من قادة وزارة الداخلية أو أكاديمية الشرطة على منعه أو مجرد مناقشته، كان (صعيدي شهم دمه حامي) وفؤاد عبد المنعم رياض علامة القانون الدولي الذي صار لاحقا قاضيا دوليا، وأشرف على دراستي العليا في القانون الدولي ونصحني باستكمالها في ألمانيا لعدة اعتبارات، لا مجال لشرحها بالتفصيل، وأهمها تقديره للمدرسة الألمانية وإتقاني لغتها وأعطاني (خطاب تزكية) لبروفيسيور في (جامعة توبنجن) أشرف على أطروحتي للدكتوراه، وكان يهوديا، ويعد أبرز مُحكّم دولي في أوروربا وربما في العالم، وهناك أسماء أخرى منهم : الفقيه أحمد كمال أبو المجد، والعلامة صوفي أبو طالب (رئيس مصر المؤقت سابقا) والمحنك عاطف صدقي (أهم رئيس وزراء معاصر) ومحمد علي محجوب أستاذ الشريعة الإسلامية ووزير الأوقاف الأسبق، وغيرهم من أساطين وأساطير القانون ورجالات السياسة، وربما كانوا آخر الأجيال في مصر الذين تعلموا في السوربون وباريس ولندن ولهم وزن على الأصعدة المصرية والعربية والدولية.
وأذكر بكل الخير اللواء د. عبد الكريم درويش، نائب وزير الداخلية، ومؤسس أكاديمية الشرطة، وأستاذ الإدارة العامة، وخريج باريس، رحمة وسلاما لروحه فقد وظف منصبه الرسمي وعلاقاته الواسعة بأساتذة المجتمع القانوني ليكونوا ضمن نخبة منتقاة بعناية فائقة ليكونوا أعضاء بهيئة التدريس في كلية الشرطة خاصة، وبقية كليات أكاديمية الشرطة عامة، ومازالت عدة أجيال من كبار ضباط الشرطة يعتبرونه أباهم الروحي، وهو جدير بذلك، ولا أنسى أنه كثيرا ما كان ينبهنا في محاضراته بأننا حين ننضج ونخوض معترك الحياة العملية سندرك قدر هؤلاء الأساتذة العظام، وأننا كنا محظوظين بأننا تعلمنا على أياديهم البيضاء، وهذا ما حدث بالفعل، رحمة واسعة لأرواح أساتذتنا جميعا .. وكما قال الشاعر العربي "الحطيئة" : مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَهُ .. لا يَذهَبُ العُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ.
Ещё видео!