حفيد فيصل الأول المؤسِّس، وثالث وآخر ملوك العراق من الأسرة الهاشمية، آل إليه العرش بعد وفاة والده الملك غازي، لكنه لم يتوّج به ملكاً حتى بلغ السن القانوني، وبوفاته انتهت حقبة امتدت لسبعة وثلاثين عاما من الحكم الملكي الهاشمي بالعراق قبل تحولها إلى الجمهورية.
الملك فيصل الثاني
ابن الملك غازي بن فيصل الأول الذي يعد شقيق الملك عبد الله الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية، والذي كان ملكاً على سوريا قبل أن يصبح أول ملك على العراق. حفيده فيصل الثاني ثالث الملوك وآخرهم في الحكم الملكي، من مواليد العاصمة بغداد في الثاني من أيار/ مايو (1935)، نشأ فيها ودرس العلوم ومبادئ اللغة العربية والأدب العربي، وهو الابن الوحيد لوالده الملك غازي.
أشرفت على تربيته والدته الملكة عالية وعاونتها في ذلك مربية إنجليزية كان لها الدور الكبير في تعليمه اللغة الإنجليزية وبعض الآداب العامة في المجتمعات الغربية، الا أنه ومنذ طفولته المبكرة فقد والده الملك غازي في حادث السيارة الغامض، ليؤول له العرش باعتباره النجل الوحيد لوالده من أمه الملكة عالية، لكنه كان آنذاك في الرابعة من عمره، ما دفع بخاله الأمير عبد الإله ليكون وصياً على العرش، في وقت أدار فيه نوري السعيد الدولة العراقية كرئيس لمجلس الوزراء. وقد كان خاله الوصي على العرش الأمير عبد الإله من أكثر المقربين له ولاسيما بعد وفاة والدته الملكة عالية عام (1950)، وقد كان يرافقه في جولاته خارج العراق.
درس الملك فيصل الثاني المرحلة الابتدائية في مدرسة المأمونية، قبل أن يكمل دراسته في كلية فيكتوريا الانجليزية في الإسكندرية رفقة قريبه الحسين بن طلال ملك الأردن السابق. وما أن أنهى دراسته الابتدائية عام (1974) ليسافر بعدها إلى لندن، ويلتحق بكلية “هارو”.
كان فيصل الثاني محباً منذ صغره لركوب الخيل ولا سيما التي تستعمل منها في السباقات، لكن إصابته بالربو منذ طفولته منعته من ركوبها لاحقًا.
وخلال شبابه تقدم الملك فيصل الثاني لخطبة الأميرة فاضلة بنت محمد علي الكبير، والتي تعد والدتها الأميرة خان زاده بنت الأمير عمر فاروق، لكن مقتله لاحقاً عام (1958) حال دون إتمام زواجه منها.
بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني عام (1941) عاد الوصي عبد الإله إلى العراق بمساعدة الإنجليز وقد تغيرت نظرة الشعب العراقي تجاه العرش بشخص الأمير عبد الإله، ومع هذا ظل العراقيون ينظرون إلى الملك فيصل باعتباره نجل ملكهم المحبوب غازي الأول وكانوا يأملون منه كل خير.
رغم أن الظروف السياسية التي أحاطت بالملك فيصل كانت في غاية الحساسية والتأزم، حيث أن وصاية خاله الأمير عبد الإله عليه وشخصيته القوية والمتنفذة في البلد، إضافة إلى سيطرة نوري السعيد بنفوذه الواسع والمتعدد والمدعوم بشكل مباشر وعلني من الإنجليز، جعلته في حالة من التردد، خاصة وأنه لم يعرف دروب السياسة الشائكة ولا ألاعيبها المختلفة، ورغم ذلك مارس الملك فيصل الثاني نشاطا ملحوظا لمعالجة المشاكل الاقتصادية التي عانى منها العراق.
وبعدما أكمل الملك فيصل الثامنة عشرة من عمره، انتهت وصاية خاله عبد الإله على عرش العراق بتتويجه ملكًا دستوريًا على العراق في الثاني من مايو/أيار عام (1953). في اليوم الذي أعلن عيداً رسمياً لتولي الملك سلطاته الدستورية. وقد تزامن تتويجه مع تتويج ابن عمه الملك الحسين بن طلال ملكاً على الأردن في عمان.
بعد ذلك ظن الناس أن الأمير عبد الإله سيتخلى عن واجبات الوصاية ويترك أمور البلاد إلى الملك فيصل لكن ذلك لم يكن، فاستمر يقحم نفسه في كل صغيرة وكبيرة كما لو أن وصايته مستمرة.
كان الملك فيصل الثاني قد أعدَّ نفسه للسفر إلى تركيا صباح يوم الرابع عشر من يوليو/تموز عام (1958) رفقة خاله عبد الإله ورئيس الوزراء نوري سعيد لحضور اجتماعات حلف بغداد، على أن يغادر تركيا بعد ذلك إلى لندن للقاء خطيبته الأميرة فاضلة، لكنه استيقظ صباح ذلك اليوم على أصوات طلقات ناريّة ورشق للرصاص نحو القصر، تزامنت مع سماعهم الإعلان عن قيام ثورة.
ما دفع الملك لإعلان استسلامه فخرج رفقة الأمير عبد الإله وأمه الملكة نفيسة جدة الملك والأميرة عابدية أخت عبد الإله، والأميرة هيام زوجة عبد الإله ومن معهم من المرافقين وعناصر الحرس الملكي إلى باحة صغيرة في الحديقة، قبل أن يصيب الرصاص الملك في رأسه ورقبته ليلقى حتفه هو والأمير عبد الإله الذي أصيب في ظهره هو الآخر، إضافة لوفاة الملكة نفيسة والأميرة عابدية وجرح الأميرة هيام.
في وقت تسرد فيه بعض المصادر بأن حادث إطلاق النار جاء عن طريق الخطأ من الحرس الملكي رداً على المهاجمين، وتذكر مصادر أخرى بأن حالة الحماس والارتباك هي التي حمّلت بعض الضباط من صغار الرتب من غير المنضبطين ومن ذوي الانتماءات الماركسية بالشروع في إطلاق النار. ويروي البعض ممن كان حاضراً في تلك الفاجعة بأن الملك فيصل الثاني حمل المصحف فوق رأسه ورفع الراية البيضاء بيده وخرج ليسلم نفسه بطريقة سلمية حفاظاً على عائلته من الفناء، ولكن ذلك لم يتم.
نُقلت جثة الملك إلى معسكر الرشيد، والذي دفنت فيه الجثة مؤقتاً، مع وضع بعض العلامات الفارقة معها لتدل على مكانها فيما بعد، قبل أن تنقل وتدفن في المقبرة الملكية في منطقة الأعظمية في بغداد، بناءّ على طلب الملك الحسين بن طلال ملك الأردن في إحدى زياراته للعراق. وقد أحيلت باقي الجثث إلى مستشفى الرشيد العسكري عدا جثة الأمير عبد الإله التي تم سحلها ثم تعليقها على باب وزارة الدفاع قبل أن يتم حرق بقية أوصالها وإلقاءها في نهر دجلة.
وبتلك الأحداث التي وقعت صباح الرابع عشر من تموز/ يوليو عام (1958)، يكون العهد الملكي قد انتهى في العراق بعد حقبة امتدت لسبعة وثلاثين عاما من الحكم الهاشمي بالعراق، والتي راح ضحيتها الملك فيصل الثاني وهو في عمر الثالثة والعشرين، رفقة العائلة المالكة، ليسقط النظام الملكي في العراق مورّثاً النظام الجديد جهازاً حكومياً كفؤاً ونظاماً اقتصادياً حرا مزدهراً وميزانية متعادلة وعائدات نفط وفيرة مع جهاز تخطيط على أعلى المستويات، حظي بها النظام الجمهوري.
Ещё видео!