حروب صدام حسين
الحرب العراقية الكردية الثانية
يمتد النزاع العراقي الكردي لسلسلة من الحروب والتمردات التي وقعت خلال القرن العشرين، من قبل الأكراد ضد السلطة المركزية في العراق، وبدأ هذا النزاع مباشرة بعد خسارة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأول، واستمر حتى غاية الغزو الأمريكي للعراق في عام (ألفين وثلاثة).
وعلى أعقاب الصراع المسلح الذي شهده إقليم كردستان العراق ما بين عامي (ألف وتسعمئة وواحد وستين) وحتى العام (ألف وتسعمئة وسبعين) وهو ما عرف بالحرب العراقية الكردية الأولى أو ثورة أيلول، والتي قامت بسبب مطالبات أحد زعماء كردستان، الملا محمد مصطفى عبد السلام البارزاني بالاستقلال الذاتي الإقليمي للكرد في المنطقة وضم كركوك؛ نشبت الحرب بين القبائل، حتى تم الإعلان عن خطة سلام في آذار/مارس من عام (ألف وتسعمئة وسبعين) التي نصت على استقلالية كردية أوسع.
ومع تغير الموقف العربي والإقليمي بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر في أيلول/ سبتمبر من عام (ألف وتسعمئة وسبعين) وما تلاه من تقارب بين خليفته الرئيس أنور السادات وشاه إيران عام (ألف وتسعمئة واثنين وسبعين)، وضعت القيادة العراقية بقيادة أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين في موقف باتوا يعتقدون فيه بأن الوضع العربي سيسمح لهم بالتنازل عن نصف مياه شط العرب إلى إيران، وذلك بالتعاون مع نظام الشاه لغرض القضاء على الحركة الكردية، خاصة مع تأكيد السادات للقيادة العراقية بأن تنازل العراق عن نصف مياه نهر شط العرب لصالح إيران سوف يؤدي إلى تسوية الخلافات وإنهاء النزاع بين العراق وإيران، وغلق ايران لحدودها بوجه الحركة الكردية في العراق، فكانت تلك أحد أسباب تجدد الحرب العراقية الكردية عام (ألف وتسعمئة وأربعة وسبعين)، وهجوم القوات العراقية ضد قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني.
وكان من أهم الأسباب الأخرى لتجدد الحرب بين الطرفين، تهديد صدام حسين للجانب الكردي المفاوض لعدة مرات في أثناء الاجتماعات عام (ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين)، بأن الحكومة العراقية قد تضطر إلى التنازل عن نصف نهر شط العرب لصالح إيران، لقاء سد الحدود الإيرانية بوجه الأكراد في العراق. ورفض القيادة الكردية الانضمام إلى الجبهة الوطنية والقومية التقدمية بقيادة حزب البعث في نفس العام.
ومما شجع الحكومة العراقية أيضاً على الحرب، كان تسرب معلومات إلى كل من القيادة الكردية والعراقية تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل لدعم الحركة الكردية في حالة نشوب أي حرب مع الحكومة العراقية. مما جعل أي حرب مقبلة لن تكون في صالح الأكراد دوليًا، خاصة وأن الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي سيقفان أيضًا بجانب الحكومة العراقية في القضاء على الحركة الكردية. بالإضافة إلى معرفة القيادة العراقية في بغداد من عدم امتلاك الحركة الكردية لأية أسلحة أو معدات ثقيلة.
كما وأن انضمام الحزب الشيوعي العراقي إلى الجبهة الوطنية التقديمة التي كانت بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي في شهر يوليو/ تموز من عام (ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين) كان من أحد الدوافع لتجدد الحرب في كردستان، ففي شهر أيلول/ سبتمبر من نفس العام قرر الحزب الشيوعي سحب كوادره ومقاتليه ومقراته من المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الحركة الكردية. ولكن في مطلع عام (ألف وتسعمئة وأربعة وسبعين)، التجأ عدد كبير من مسلحي الحزب الشيوعي إلى معسكرات الجيش العراقي، وقد جرى إنشاء مقر لهم في معسكر دربن دخان ليتحولوا إلى قوة معادية للحركة الكردية.
ولعبت العلاقة السرية ما بين صدام حسين وبين عبيد الله الابن الأكبر للملا محمد مصطفى البارزاني دورًا هامًا في تزويد القيادة العراقية بالمعلومات الحساسة، مثل وجود ممثلين عن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في مقر البارزاني. وحتى بعد هروب عبيد الله من أبيه مصطفى البارزاني والتجاءه إلى الحكومة المركزية في بغداد صيف العام (ألف وتسعمئة وواحد وسبعين)، فقد بقيت خلية في بيت البارزاني تعمل لإمداد عبيد الله بالمعلومات حول التواجد الإسرائيلي.
لم يدم اتفاق السلام لعام (ألف وتسعمئة وسبعين) طويلاً، وبذل الاتحاد السوفيتي جهودًا لمنع نشوب الحرب من جديد في كردستان العراق في بداية العام (ألف وتسعمئة وأربعة وسبعين)، ولكن جهودهم لم تثمر لمنع وقوع الحرب ما بين الطرفين.
وفي يوم الحادي عشر من أذار/ مارس من عام (ألف وتسعمئة وأربعة وسبعين) انقطعت العلاقات بصورة رسمية بين الحكومة المركزية العراقية والقيادة الكردية، فبدأت الحكومة العراقية هجومًا جديدًا ضد المتمردين الأكراد، ودفعتهم بالقرب من الحدود مع إيران. وبعدها بيوم واحد وجه الاتحاد السوفيتي دعوة رسمية لنائب مجلس قيادة الثورة آنذاك صدام حسين لزيارة موسكو، ليسافر صدام حسين إلى موسكو ويجتمع هناك بالمسؤولين السوفييت للتباحث حول مسألة النزاع بين الحكومة المركزية والحركة الكردية التي كان يتزعمها البارزاني. ولكن المحادثات ما بين القيادة السوفيتية ونائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي لم تسفر أيضاً عن أية نتيجة حول حل النزاع القائم.
وكما في الحرب العراقية الكردية الأولى، تلقى الأكراد دعمًا ماديًا من إيران وإسرائيل. حيث اعتبرت إسرائيل الجيش العراقي تهديدًا محتملاً في حالة تجدد القتال بين إسرائيل وسوريا، وهو ما حدث خلال حرب عام ثلاثة وسبعين، عندما تم إرسال حوالي ثلث الجيش العراقي للقتال ضد إسرائيل على الجبهة السورية، ولذلك كانت إسرائيل ترغب في إبقاء العراقيين محتلين في مكان آخر. وأرادت إيران تقوية موقفها السياسي والعسكري في مواجهة العراق القوة الإقليمية الأخرى الوحيدة في الخليج الفارسي.
Ещё видео!