نشأ الحكم الذاتي في كردستان العراق عام (ألف وتسعمئة وسبعين) بعدما التزمت منطقة الحكم الذاتي الكردية وقادة المجتمع الكردستاني باتفاق الاستقلال مع الحكومة العراقية. لكن السلم الأهلي لم يدم طويلاً، واستمرت عديد المعارك بين قوات الانفصاليين الأكراد والقوات الحكومية العراقية، ومنها الحرب الأهلية التي بدأت عام (ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين) في كردستان العراق.
بعد انتهاء حرب الخليج الثانية عام (ألف وتسعمئة وواحد وتسعين)، فرض مجلس الأمن الدولي منطقتي حظر جوي في شمال وجنوب العراق، بهدف حماية الأكراد والشيعة، ومنعت القوات العراقية في عهد الرئيس صدام حسين من دخولهما، وبذلك نال الأكراد في تلك المناطق نوعاً من الاستقلالية، بما يشبه الدولة داخل الدولة. ولكن الحظر لم يشمل مدينتي السليمانية وكركوك، مما أدى إلى سلسلة أخرى من المصادمات الدموية بين القوات العراقية والكتائب الكردية فيها.
عقد الأكراد المستقلين أول انتخابات برلمانية لهم في مدن الإقليم عام (ألف وتسعمئة واثنين وتسعين)، واحتضنت مدينة أربيل أولى جلساته، حيث تقاسم الحزبان الرئيسيان الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، مقاعد البرلمان بالتساوي.
ومنذ أن سحبت الحكومة العراقية قواتها من كردستان في تشرين الأول/ أكتوبر عام (ألف وتسعمئة وواحد وتسعين)، فرضت بغداد حصارًا اقتصاديًا على المنطقة، فخفضت إمداداتها من النفط والغذاء. وكان الاقتصاد الكردي يعاني حينها من معاناة شديدة نتيجة استمرار الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق، الأمر الذي حال دون التبادل التجاري بين كردستان والدول الأخرى. وبهذه الطريقة كانت جميع التعاملات التجارية بين إقليم كردستان العراق والعالم الخارجي تتم عبر سوق سوداء. وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني يتنافسان منافسةً شديدة في السيطرة على طرق التهريب وعلى تقاسم النفوذ والسيطرة على الموارد. مما نتج عن هذا الصراع نشوب الخلاف بين القطبين الكرديين، لتبدأ الحرب الأهلية في كردستان.
اندلع القتال بين الفصيلين في شهر مايو/أيار من عام (ألف وتسعمئة وأربعة وتسعين). وخلفت الاشتباكات بينهما في البداية ما يقارب ثلاثمئة ضحية. وعلى مدار السنة التالية لقي ما يقرب من ألفي شخص حتفهم من الجانبين. وبحسب ما أورده أحد ضباط المخابرات المركزية الأمريكية روبرت بايير، فقد قدم أفراد من حرس الثورة الإسلامية الإيراني دعمًا محدودًا للحزب الديمقراطي الكردستاني وسمحوا له بشن هجمات من الأراضي الإيرانية.
وفي شهر يناير/كانون الثاني من عام (ألف وتسعمئة وخمسة وتسعين) سافر روبرت بايير ضابط المخابرات المركزية الأمريكية إلى شمالي العراق مع فريق من خمسة رجال؛ وذلك لإنشاء مركزٍ للمخابرات المركزية الأمريكية. اتصل بايير بالقادة الأكراد وتمكن من التفاوض على هدنة بين بارزاني وطالباني.
وفي غضون بضعة أيام اتصل بايير بلواء عراقي كان يحيك مؤامرةً لاغتيال صدام حسين في ذلك الوقت. وكانت خطته تقوم على استخدام كتيبة عراقية من مئة مارق لاغتيال صدام أثناء مروره من فوق أحد الجسور بالقرب من تكريت. أرسل بايير الخطة إلى واشنطن، ولكنه لم يتلق أي رد. وبعد مرور ثلاثة أسابيع تم تعديل الخطة بحيث تقوم القوات الكردية بالهجوم في شمال العراق بينما تهدم الكتيبة العراقية المتمردة أحد منازل صدام باستخدام مدافع الدبابات لاغتياله. أرسل بايير الخطة أيضًا إلى واشنطن ولكنه لم يتلق أية إجابة.
وفي يوم الثامن والعشرين من فبراير/شباط وضع الجيش العراقي في حالة الاستعداد القصوى. وردًا على ذلك تم وضع الجيشين الإيراني والتركي أيضًا في حالة استعداد عالية. واستلم بايير رسالة من مستشار الأمن القومي توني ليك مباشرةً يخبره فيها بأنه قد تم كشف عمليته. ولقد تم إعلام الحلفاء الكرديين والعراقيين بهذا التحذير. وبناءً على تلك المعلومة انسحب بارزاني من الهجوم المخطط تاركًا قوات الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة طالباني تنفذ الهجوم بمفردها.
كشف ضباط الجيش العراقي الذين كانوا يخططون لاغتيال صدام حسين باستخدام مدافع الدبابات وتم إلقاء القبض عليهم وإعدامهم قبل أن يتمكنوا من تنفيذ عمليتهم. ولكن هجوم الاتحاد الوطني الكردستاني بدأ حسب خطته الموضوعة، وفي غضون أيام قليلة تمكنت القوات الكردية من تدمير ثلاث فرق عراقية وأسر خمسة آلاف سجين. ورغم مطالبة بايير بالحصول على دعم أمريكي للهجوم، فإنه لم يحصل على أي دعم، وأجبرت القوات الكردية على الانسحاب. وفور ذلك استدعي بايير من قبل العراق وأجريت معه بعض التحقيقات القصيرة حول محاولة اغتيال صدام حسين، وقد تمت تبرئته بعد ذلك.
ورغم توقف انعقاد جلسات البرلمان الكردي في أيار/مايو عام (1996)، إلا أن اتفاقية وقف إطلاق النار بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني استمرت حتى صيف العام (1996). فلقد عقد طالباني تحالفًا مع إيران، وساعدها في القيام بتوغل عسكري داخل شمال العراق مستهدفةً الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني.
بلغت ذروة الصراع المسلح بين الطرفين عندما وجد مسعود بارزاني نفسه مواجهًا باحتمالية مقاتلة كل من إيران والاتحاد الوطني الكردستاني، ولهذا لجأ لطلب الحصول على مساعدة من صدام حسين، الذي وجدها فرصة من جهته لاستعادة شمال العراق ودحر قوات الطالباني فوافق. وكسرت القوات العراقية مناطق الحظر الجوي التي فرضها التحالف الدولي على شمال وجنوب البلاد بعد حرب الخليج عام (1991)، وفي يوم الواحد والثلاثين من آب/أغسطس عام (1996)، قام ثلاثون ألفًا من القوات العراقية، تتقدمهم فرقة مدرعة من الحرس الجمهوري بالإضافة إلى قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني بمهاجمة مدينة أربيل التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني والتي دافع عنها ثلاث آلاف من البشمرجة. سقطت أربيل واستطاع البارزاني استعادة السيطرة عليها، ورافق ذلك إعدام عشرات وربما مئات الآلاف من جنود الاتحاد وجماعة المؤتمر الوطني العراقي، بالإضافة لآلاف الجرحى.
Ещё видео!