youtube.com/@ibn_arabi - -- [ Ссылка ]
----
الذي أوصيك به أيها الأخ الإلهي، أيدك اللّه بروح منه، حتى تخبر به عنه، أن تعرف الحق سبحانه وتعالى من حيث ما أخبرك به عن نفسه أنه عليه ، مع اعتمادك على ما اقتضاه البرهان الوجودي، مما ينبغي أن يكون الحق عليه سبحانه من التنزيه والتقديس، فتجمع بين العلم الذي أعطاك الإيمان، وبين العلم الذي اقتضاه الدليل العقلي، ولا تطلب الجمع بين الطريقين، بل خذ كل طريقة على انفرادها، واجعل الإيمان لقلبك بما أعطاك من معرفة اللّه بمنزلة البصر لحسك، بما أعطاك من معرفة ما تقتضيه حقيقته، واحذر أن تصرف نظرك الفكري فيما أعطاك الإيمان، فتحرم عين اليقين ، فإن اللّه أوسع من أن يقيده عقل عن إيمان، أو إيمان عن عقل، وإن كان نور الإيمان يشهد العقل من حيث ما أعطاه فكره، بصحة ما أعطاه من السلوب ، ولا يشهد نور العقل - من حيث فكره - بصحة ما أعطاه نور الإيمان والكشف، لكن العقل به يكون القبول عن الفكر ، يشهد بصحة ما أعطاه الكشف والإيمان .
للشرع نور وللألباب ميزان * والشرع للعقل تأييد وسلطان
والكشف نور ولكن ليس تدركه * إلا عقول لها في الوزن رجحان
واعلم يا أخي أن العقول بأسرها، الملكية والبشرية، بل العقل الأول الذي هو أول موجود من عالم التدوين والتسطير، قد علمت قصورها وجهلها بحقيقة ذات باريها، وأنها ما تعرف من هذه الذات المنزهة، إلا قدر ما يطلب العالم منها من المناسبة، وتلك صفات الإله، فما عرفت سوى المرتبة، فاشتركت العقول البليغة والقاصرة في هذا الجهل والقصور، وما عدا هذه المعرفة فهو العلم بما سوى اللّه، والعلم بما سوى اللّه لا حاجة لنا به، أعني الحاجة المهمة التي بحصولها يكون كمال النفس، فإن الصفة النفسية التي لهذه الذات المنزهة، من المحال أن تكون سوى واحدة، وهي عين الذات، وتعيينها من حيث الإثبات محال، فالعلم بها محال، فإنها ذات لا تقبل التركيب، فتعالت عن الفصول المقومة لها .
فإذا كان الأمر على ما ذكرناه، فلم يبق إلا التهيؤ لما يكون منه، من حيث الوهب الإلهي، فإن القوى لا تعطي إلا ما فيها، وجميع ما فيها تابع لها في الخلق، فمحال أن تعلم موجدها علمه بنفسه، فإذا هيأت المحل للتجلي الإلهي، فهو أكمل ما يحصل من العلم ، وهو علم عقول الملائكة والأنبياء والخواص من عباد اللّه، من المجردين والهياكل النورانية، فلا تتعب خاطرك في التفكر في العلم باللّه، قال اللّه : وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقال عليه السلام : لا تتفكروا في ذات اللّه فالشغل بما لا يوصل إليه تتضيع لما يستحقه الوقت .
واعلم يا أخي أنه ما انتقش من العلم الإلهي في العالم، إلا قدر ما هو العالم عليه إلى يوم القيامة، علوا وهو قوله تعالى : وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها، وسفلا وهو قوله تعالى حين ذكر الأرض : وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فإذا صفت النفس، وصقلت مرآتها، فلا تقابل بها العالم ليحصل فيها، وينتقش فيها ما في العالم بأسره، فإنه لا فائدة فيه، ولكن قابل به الحضرة الذاتية - من حيث ما تعلم نفسها - مقابلة افتقار وتعرية، ليهبها الحق من معرفته ما لا يمكن حصوله إلا بهذه الطريقة، وهذا القدر من العلم ما هو مما ينتقش في العالم الخارج عنك، فإن قيل لك قد انتقش في اللوح المحفوظ جميع ما يكون إلى يوم القيامة، وقد علمه القلم الذي هو العقل الأول، وهذا الحاصل لك هو مما في العالم، فكيف الأمر ؟
قلنا ما انتقش في اللوح المحفوظ ولا سطر القلم فيه إلا العلوم التي تنقال ، ويأخذها النقل، وأما ما لا ينقال مما يعطيه التجلي الذي أردناه هنا، فما انتقش في العالم أصلا، وحصوله في الإنسان إنما هو من الوجه الخاص الإلهي الذي لكل موجود ، وهو خارج عن علم العقل الأول، وغيره مما هو دونه، فاعلم ذلك .
واعلم أن السبب الموصل إلى نيل ما ذكرناه : تفرغ الخاطر والقلب من كل علم، ومن الفكر المطلوب لاقتناء العلوم ،
ومحو ما كتب، ونسيان ما علم، والجلوس مع اللّه على الصفا، وتجريد الباطن من التعلق بغير ذات الحق جل جلاله على ما هو عليه من الإطلاق، لا تجالسه على شيء معين ،
فإن فعلت وعينت وفتح عليك، لم يحصل سوى ما عينت، وليكن هجيرك في جلوسك بباطنك، اللّه اللّه، من غير تخيل بل بتعقل الحروف لا بتخيلها ، ولا تنتظر الفتح الإلهي بواسطة هذا الجلوس وهذا الحال، بل اذكره مثل هذا الذكر لما يستحقه جلاله، من إيثارك إياه من حيث هو، لا من حيث علمك به أو عقيدتك، بل بجهل عام، ثم إنه إن فتح لك بابا من أبواب العلم به، مما لم يتقدمك فيه ذوق، وأتاك بلسان روح قدسي فلا ترده ولا تقف عنده، واشتغل بما كنت عليه، فإن اختلفت الأذواق بلسان الأرواح المجردة، فلتكن حالك معها حالك مع الروح الأول، إلى أن يقدح لك في باطنك ما هو خارج عن أذواق الملأ الأعلى، ولم تشم في ذلك رائحة واسطة روح أقدس، فانظر أيضا ذلك الذوق الغريب، فإن ذلك على اسم إلهي من هذه الأسماء التي بأيدينا، سواء كان اسم تنزيه، أو غير تنزيه، فليكن حالك مع هذا الذوق حالك مع أذواق الروح ولا فرق،
فإن وجدت ذوقا يحيرك ولا تقدر على دفعه، وتجد مع تلك الحيرة تفريقا، فلتكن حالك مع تلك الحيرة حالك مع الأرواح والأسماء سواء، فإن وجدت ذوقا يحيرك وتجد مع الحيرة سكونا لا تقدر على دفعه فذلك المطلوب، فعليه فليعتمد،
فإن وجدت قدرة على رفع ذلك السكون، فلا تعتمد على ذلك السكون، فإن تقيد ذلك الذوق في نفسك مرتين بينهما تمييز، حتى تعلم أن قد كان ذلك مرتين، فما هو المطلوب، فلا تعتمد عليه ،
فإذا تخلصت من كل ما ذكرناه، فإن رددت إليك وإلى عالم الحس علمت من أين نطقت الرسل، وتنزلت الكتب والصحف، وعلمت ما بقي من الأبواب مفتوحا، وما سد منها، ولماذا سد ما سد منها، وعلمت ما تقول وما يقال لك، ورزقت الفهم عن كل شيء، وأنكرت المعروف، وعرفت المنكور، وأنكرت المنكور وعرفت المعروف، وكنت أعلم الخلق بأنك أجهل الخلق ، ولم يبق لك من الهجير إلارَبِّ زِدْنِي عِلْماًفيه تحيا وفيه تموت .
فقد دللتك على ما فيه سعادتك في الدارين، وما يؤول إليه نفوس العارفين في النشأتين، واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل .
Ещё видео!