ضوابط بناء الأسرة وسبل المحافظة عليها.
الأسرة نعمة من نعم الله على عباده. فقد قال تعالى: "والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون".
ولهذا اعتنى الإسلام ببناء الأسرة، وجعل لهذا البناء ضوابط تسهم في حسن هذا البناء والمحافظة عليه. ومن هذه الضوابط:
أولا: عدم الزواج إلا بعد القدرة عليه. فلا ينبغي أن يقدم الإنسان على الزواج إلا إذا امتلك القدرة البدنية والمالية والإدارية اللازمة لبناء الأسرة، وإلا كان ذلك ضياعا لها وهدما للبناء المجتمعي، فكم من الأسر تفككت، وكم من العلاقات ضاعت، وكم من المشكلات عمت بسبب زواج من لا قدرة لهم على إقامة الأسرة، فقد كشفت إحصائيات الجهاز الرسمي في مصر عدد حالات الطلاق، حيث بلغت أكثر من ١٩ ألف حالة في شهر سبتمبر الماضي فقط. ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء".
ثانيا: حسن اختيار الزوجين.
فمن الناس من يختار زوجته أو يختار زوجا لابنته على أساس المال أو الجمال أو النسب، وهي قيم معتبرة، لكنها لا تصلح أن تكون هي الأساس، فالاختيار يجب أن يكون على أساس الدين، وبعده يأتي المال والجمال. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «فاظفر بذات الدين تربت يداك». وقال للمرأة وأهلها: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». فإذا كان الزواج على أساس الدين فإن كلا منهما يسهم في معاونة الآخر على طاعة الله. وهذا شاب تزوج بفتاة متدينة، فقال: استيقظت ليلة فجأة، فنظرت فلم أجد زوجتي، التفت يمينا وشمالا، وقمت وبحثت في البيت فلم أجدها، وإذ بي أراها ساجدة في زاوية من البيت، فكنت خجلا من نفسي وما زاغت عيني يمينا أو شمالا إلا تذكرت هذا الموقف، فكان نعم المعين على ضبط نفسي واستقرار بيتي.
ثالثا: الإحسان إلى الأهل.
حيث يقوم البناء الأسري على الحب والاحترام والتقدير المتبادل بين أفراد الأسرة، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي». ومن الأمثلة على إحسان الرسول صلى الله عليه وسلّم إلى أهله، أنه كان في خدمة أهله، يتودد إلى زوجته، فيضاحكها ويلاعبها، ويدللها فيقول لها يا عائش، ويشرب مكان شرابها من الإناء، ويطعمها بيده، ويقول: «واللقمة يضعها الرجل في فم امراته له بها صدقة».
وهذه هي الصورة المثلى للحياة الزوجية، فإذا لم يكن فيها حب، فليس هذا داع للتخلص منها، ولا ينبغي أن تتفكك الأسرة، بل ينبغي المحافظة عليها بالرحمة والعدل ومراعاة الصلات بين الناس، فقد ورد في الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما جاءه رجل يستشيره في طلاق امرأته، فقال له عمر: "لا تفعل"، فقال الرجل: ولكني لا أحبها، قال عمر رضي الله عنه: "ويحك وكم من البيوت يبنى على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم؟ أي التحرج أن يكون الرجل مصدرا لتفريق شمل الأسرة وشقاء الأولاد.
رابعا: حسن تربية الأبناء.
قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم نارا»، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع». والتربية تختلف عن التغذية، فالتغذية هي الأكل والشرب واللبس، أما التربية فتكون ببناء الصلة القوية بالله تعالى، والتمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل بالقرآن الكريم، والتعامل بالقيم الفاضلة والأخلاق الحسنة.
ومن الأمثلة التي تدل على غياب التربية الحسنة، ما ورد من مجيء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وعنفه على عقوقه لأبيه، وعلى تمرده عليه ونسيانه لحقوقه فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على ابيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا امير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه.. ويعلمه الكتاب - القرآن -، قال الولد: يا امير المؤمنين، ان ابي لم يفعل شيئا من ذلك، اما امي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني: جُعَلا (خنفساء) ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا..! فالتفت عمر الى الاب وقال له: جئت اليَّ تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل ان يعقك، وأسأت اليه قبل أن يسيء إليك..؟! قم عني.
الخطبة الثانية:
ليس معنى أن تكون الأسرة سعيدة ألا يختلف أفرادها، وألا يغضبوا أو يخطئوا، فهذا لا مفر منه، ولكن حسن إدارة هذه المواقف يحتاج إلى حكمة ورحمة، فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه يقول لزوجته: إذا رأيتني غاضبا فرضيني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا فلن نصطحب. وهذا الإمام أحمد بن حنبل تموت زوجته أم عبد الله فيكثر من الدعاء لها، فسألوه عن سبب ذلك، فقال: مكثت معها عشرون سنة، فما اختلفنا في كلمة واحدة، فقيل له كيف ذلك: قال كنت إذا غضبت أرضتني وإذا غضبت أرضيتها.
فليغفر بعضنا لبعض، وليحرص بعضنا على إرضاء بعض، عسى أن تستقر حياتنا الأسرية، وأن ينعم مجتمعنا بالأمن والأمان والحب والسلام.
Ещё видео!