بَلَغَنِي - أَيُّهَا الشَّعْبُ المُحْتَاسُ، ذُو الرَّئِيسِ المُتَعَاصِ، وَالَّذِي لَا يَفْتَأُ يُثِيرُ بَيْنَنَا البَلْبَالَ وَالالْتِبَاسَ - أَنَّ الدَّوْلَةَ المِصْرِيَّةَ كَانَتْ تَبْحَثُ عَنْ مَصَادِرَ تَمْوِيلِيَّةٍ… عَلَّهَا تَسُدُّ مَا عَلَيْهَا مِنْ دُيُونٍ، وَتُصْبِحَ دَوْلَةً كَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ.
وَحَيْثُ إِنَّهَا عَلَى الحَمِيدِ المَجِيدِ، اقْتَرَضَتْ مِنَ القَرِيبِ وَالبَعِيدِ، وَبَاعَتْ تُرَابَ الوَطَنِ لِمَنْ يُرِيدُ، وَنَحَلَتْ أَوْبَارَ شَعْبِهَا السَّعِيدِ.
فَقَدْ طَالَ بَحْثُهَا وَكَادَ أَنْ يَخِيبَ رَجَاؤُهَا، وَبَيْنَمَا هِيَ وَاقِعَةٌ فِي حَيْصٍ وَبَيْصٍ، تَذَكَّرَتْ أَنَّ لَدَيْهَا مُوَاطِنِينَ مُغْتَرِبِينَ، يَعُودُونَ إِلَى البِلَادِ كُلَّ حِينٍ، مُحَمَّلِينَ بِالهَدَايَا وَالوُرُودِ وَالرِّيَاحِينِ.
فَقَرَّرَتْ فَرْضَ ضَرِيبَةٍ عَلَى كُلِّ مُغْتَرِبٍ يَعُودُ لِلْبِلَادِ وَيَحْمِلُ فِي يَدَيْهِ هَاتِفَ اسْتِيرَادٍ.
وَلَنْ تَكُونَ تِلْكَ الضَّرِيبَةُ الأَخِيرَةَ، فَالحُكُومَةُ الخَرْقَاءُ لَا تَعْدِمُ حِيلَةً، فَلَا تَنْسَوْا أَنَّهَا حُكُومَةٌ عَوِيلَةٌ وَخِيبَتُهَا ثَقِيلَةٌ، وَالخُضْرَةُ فِي يَدِهَا نَاشِفَةٌ وَقَلِيلَةٌ..
و على صعيدٍ آخر..
فيَا أَهْلَ الفِطْنَةِ وَالبَصِيرَةِ - هَلْ شَهِدْتُمْ يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ، أَوْ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي الحَالِكَةِ أَوِ المُضِيئَةِ، مَنْدُوبًا مِنَ الكَنِيسَةِ يَحْضُرُ فِي صُفُوفِ المُسْلِمِينَ؟ أَكَانَ فِي صَلَاةِ عِيدٍ يَقِفُ بَيْنَ المُصَلِّينَ، أَمْ فِي اسْتِطْلَاعِ هِلَالِ رَمَضَانَ بَيْنَ الرَّاصِدِينَ؟ أَكَانَ فِي مَوْلِدِ النَّبِيِّ بَيْنَ المُدَّاحِينَ، أَمْ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَعَ الصَّائِمِينَ؟ بَلْ، أَكَانَ يَوْمًا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ مِنَ الأَوْلِيَاءِ الصَّالِحِينَ؟..
وَاللهِ، مَا أَدْرِي! لَعَلَّنِي أَنَا المُخْطِئُ، وَلَعَلَّنِي أَنَا الَّذِي غَابَ عَنِّي الفَهْمُ وَالبَصَرُ.
دَعْنِي أَسْمَعْ خِطَابَ الرَّئِيسِ فِي القُدَّاسِ، عَسَاهُ يُفَسِّرُ مَا غَمُضَ، وَيَكْشِفُ لِي مَا خَفِيَ مِنَ اللِّبَاسِ!”
و مَا إِنْ بَدَأْتُ أَسْتَمِعُ حَتَّى أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا فِي عَيْنِي، وَهَاجَتِ الحَيْرَةُ فِي قَلْبِي. كَأَنِّي دَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ بِلُغَةِ السِّرِّ، لَا يَفْهَمُهَا إِلَّا مَنْ حَفِظَ الشِّفْرَةَ، وَعَرَفَ الإِشَارَةَ المُسْتَتِرَةَ.”
ثُمَّ بَلَغَنِي - أَيُّهَا الشَّعْبُ الصَّابِرُ عَلَى العَجَائِبِ وَالمَصَائِبِ - أَنَّ فِي القُدَّاسِ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الحَاضِرِينَ، وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ كَمَنْ وَجَدَ الكَنْزَ الثَّمِينَ:
“بِنِحِبَّكْ يَا رِيسْ!”
فَرَدَّ الرَّئِيسُ - وَبِلِسَانٍ كَادَ يُضِيعُ الكَلَامَ وَالمَعْنَى - قَائِلًا:
“وَإِحْنَا كَمَانْ بِنِحِبَّكُمْ!”
وَهُنَا، وَقَفْتُ - يَا قَوْمِي - حَائِرًا بَيْنَ العَقْلِ وَالجُنُونِ، وَقُلْتُ:
“مَنْ أَنْتُمْ؟ وَمَنْ نَحْنُ؟ أَلَيْسَ هَذَا الكَلَامُ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَلِلرَّعِيَّةِ جَمِيعًا فِي الأَرْضِ السَّاجِعَةِ؟ أَفَلَا يَقُولُ: ‘وَأَنَا أُحِبُّكُمْ جَمِيعًا بِلَا تَمْيِيزٍ أَوْ انْفِصَامٍ؟’ وَلَكِنْ، عَجَبًا! هَا هُوَ الرَّئِيسُ الَّذِي يَقُولُ: ‘لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمَسِيحِيٍّ،’ يُخَاطِبُ القَوْمَ وَكَأَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ خَنْدَقًا يَمْلَؤُهُ المَاءُ!”
وَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ، فَلِمَ إِذَنْ تُرْسِلُ الدَّوْلَةُ مَنْدُوبًا مِنَ الأَزْهَرِ لِيَكُونَ فِي قُدَّاسِ عِيدِ المِيلَادِ أَوَّلَ الحَاضِرِينَ؟ أَيَكُونُ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِلوَحْدَةِ الَّتِي يَتَحَدَّثُ عَنْهَا، أَمْ أَنَّهَا خُطُوَاتٌ تُؤَدَّى بِلا مَعْنًى لِلتَّزْيِينِ؟! أَمْ هَلْ تُرْسِلُهُ الدَّوْلَةُ كَمَنْ يُؤَدِّي الدَّوْرَ فِي مَسْرَحٍ لَا تَحْمِلُ كَلِمَاتُهُ صِدْقًا وَلَا بُنْيَانًا مَتِين؟!
“ألا يا أيها الرجل المتعاص.. ، أَهَذِهِ أَعْمَالُكَ عَنِ الوَحْدَةِ، أَمْ أَنَّهَا أَحَاجِي تُرْهِقُ العُقُولَ، وَتُفَرِّقُ الحُقُوقَ؟!”
للدعم على Patreon :
[ Ссылка ]
اشترك في القناة الرسمية على تليجرام:
[ Ссылка ]
الصفحة الرسمية لاحمد بحيري علي الفيسبوك
[ Ссылка ]
الصفحة الرسمية علي تويتر
[ Ссылка ]
اشترك في القناة لمتابعة الحلقات الجديدة
[ Ссылка ]
المصادر:
- أعلم أهل الأرض
[ Ссылка ]
Ещё видео!