من الطبيعي جداً أن يتساءل المسلم المؤمن في قرارة نفسه عن مصيره في العالم الآخر، وجميل أن يأمل بدخوله الجنة هو وأهله وأحبابه،
لكن ما أجده غير منطقي ولا أفهمه هو شدة غيرته على الجنة، بحيث لا يقبل دخول أحد غير خاصته إليها،
فترى الكثير من المحسوبين على الإسلام يأخذون علينا القول بأن معظم أهل الأرض سيدخلون الجنة، سيما من يعتبرونهم كفاراً مغضوب عليهم أو ضالين،
فترى واحدهم يعتقد أن صفات المسلم تحتم عليه تبشير غيره بجهنم وبئس المصير، فالجنة امتياز له، فهو يسير على خطى من ذكرهم الله تعالى {وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة 111)
رغم قوله سبحانه {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر53)،
فإنه "كمسلم مؤمن" مفوض بتوزيع الناس على الجنة والنار، والله تعالى أوكله بمهمة وضع لائحة تلقي بمكتشف البنسلين الذي أنقذ حياة الملايين في جهنم ليجد ما عمل "هباءً منثورا"،
وهذا "المسلم" يثور أشد الغضب إذا ما قرأ أن رحمة الله واسعة وعذابه محدد، فيسارع ليقول لك "لقد وضع الله شروطاً لهذه الرحمة"،
ونقول نعم {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف 156)
والتقوى تحمل شقين،
الأول تقوى الإسلام أي العمل الصالح وهي ما طلبها كاملة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}(آل عمران 102)، فلا مكان لعدم الاستطاعة في الامتناع عن قتل النفس، ولا يُقبل عقوق الوالدين قليلاً،
والثاني تقوى الإيمان أي في أداء الشعائر، و هي ما قال فيه سبحانه وتعالى {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن 16) حيث {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} (البقرة 286).
والله وضع بيده فقط الفصل بين الناس {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (الحج 17)
لذلك لا تضيعوا وقتكم، ولتصرفوا طاقاتكم بما هو مفيد للإنسانية بدل هدرها في الدفاع عن أبواب الجنة، فالجنة ستتسع لمعظم الناس، بينما جهنم ستشتكي لله قلة النزلاء، والنسبة بينهما كنسبة السجون لمساحة الأرض
....................................................................................الدكتور محمد شحرور.
Ещё видео!