وفي الحديث أنه ﷺ بعد ذكر سورة الفاتحة باسم ﴿الحمد لله رب العالمين* ﴾ قال: «هي السبع المثاني»، ووصف الفاتحة بـ (المثاني) له موردان:
أحدهما: أنها توصف بـ (المثاني) باعتبار الكلمات والمباني.
والآخر: أنها توصف بـ (المثاني) باعتبار الحقائق والمعاني.
فأما الأمر الأول - وهو وصف الفاتحة بأنها السبع المثاني باعتبار الكلمات والمباني -: فإن آياتها تثنى؛ أي يرد بعضها على بعض في قراءتها، فلا يكون العبد تاليا الفاتحة حتى يرد بعضها على بعض في آياتها، فيبدأ بقوله - تعالى -: ﴿ الحمد لله رب العالمين *﴾، ثم يقرأ: ﴿ الرحمن الرحيم *﴾، ثم يقرأ: ﴿ مالك يوم الدين *﴾، إلى تمام الفاتحة.
وأما كونها مثاني باعتبار الحقائق والمعاني: فإن الله ثنى فيها بين أنواع من المعاني؛ أي رد فيها أنواعا من المعاني بعضها على بعض.
فمن ذلك: أن الله – عز وجل - ذكر فيها صفات الجلال، وذكر فيها صفات الجمال له - سبحانه.
فمن صفات جلاله: قوله - تعالى -: ﴿ رب العالمين * ﴾، ومنها قوله - تعالى -: ﴿ مالك يوم الدين *﴾، فإن هذين الوصفين دالان على جلال الله؛ أي عظمته.
وأما صفات الجمال: ففي قوله - تعالى -: ﴿ الرحمن الرحيم * ﴾؛ فإن اتصافه – سبحانه وتعالى - بـ (الرحمة) دال على جماله الذي تقبل به القلوب عليه – سبحانه وتعالى -.
ومنها: مقابلة الوعد بالوعيد؛ فإن الله ذكر وعدا لأهل الجنة أنهم مهديون منعم عليهم، وذكر وعيدا لغيرهم من أهل النار أنهم ضالون مغضوب عليهم.
فوقوع المقابلة بين الوعد والوعيد، والجلال والجمال، هو من جملة ما في سورة الفاتحة من تثنية الحقائق والمعاني.
فسورة الفاتحة سميت (السبع المثاني) لأنها سبع آيات وقعت فيها التثنية - أي رد الشيء بعضه على بعض، كما تقول: فلان يثني ثوبه؛ أي يرد بعضه على بعض -، وتلك التثنية في الفاتحة تارة باعتبار الألفاظ والمباني، وتارة أخرى باعتبار الحقائق والمعاني.
.
