#محمد_شحرور
يلاحظ المتأمل في كتاب الله أنه سبحانه لا يفرق بين الذكر والأنثى، فالمساواة بينهما واضحة صريحة في أكثر من آية، وفي أكثر من مجال. واقتران المؤمنين بالمؤمنات والمسلمين بالمسلمات في التنزيل الحكيم في أكثر من موضع، يؤكد هذه المساواة التي نذهب إليها. لا بل إن علماء اللسان العربي يقولون بأن الخطاب الإلهي الموجه إلى الذين آمنوا يشمل الذكور والإناث، رغم صيغة التذكير الغالبة عليه.
وما تلك الدونية التي ألصقها التراث بالمرأة كأنثى، كقولهم إنها ناقصة العقل ناقصة الدين، إلا رؤية مشوهة فرضها المجتمع الذكوري السائد. وكان من الطبيعي أن تطال هذه الرؤية المشوهة عدداً من المواضيع والآيات في التنزيل الحكيم، فيأتي فهمها وتفسيرها خاضعاً لهذه الرؤية الذكورية السائدة، وفي مقدمتها مسألة الإرث والقوامة.
ولقد نظرنا في آيات الإرث فرأينا ما لم يره فقهاء السلف وأصحاب التفاسير التراثية. لا لقلة معرفة منهم وعبقرية منا، ولا لنقص التقوى عندهم واكتمالها عندنا كما يزعم البعض ويتوهم. بل لأننا نظرنا فيها بعين اليوم والحاضر المعاصر، ووظفنا فيها كل المعارف التي توصلت إليها الإنسانية على مدى قرون وقرون.
نظرنا فرأينا أن أساس قوانين الإرث وحدوده – كما نص عليها سبحانه في كتابه المبين – هو الأنثى، وأن الذكر تابع لها يدور معها أينما دارت، وأن الرحم هو الأصل في توزيع الإرث، فتذكرنا قوله تعالى: {.. واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} النساء1. ورأينا أن آيات المواريث سوَّت بين الذكور والإناث كمجموعات لا كأفراد.
ونظرنا في الواقع المعاش من حولنا، فرأينا أن المرأة تقلصت حاجتها إلى ذكر تتبعه في كل حركاتها وسكناتها (أب / أخ / عم / ابن عم) وانكمشت الروح الذكورية والعلاقات الأسرية العشائرية التي حكمت وضع المرأة في المجتمع وسيطرت على فهم الفقهاء والمفسرين لآيات الإرث والقوامة.
القوامة:
لقد جاء تعريف القوامة بشكل عام في التنزيل الحكيم بسورة النساء، وجاء فيها أيضاً مجال قوامة الرجل وقوامة المرأة بقوله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} النساء 34.
الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
لو عنى الله ذلك لقال: الذكور قوامون على الإناث. لكنه تعالى قال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.
نبدأ بتعريف (الرجل):
فكلمة (رجل) لغة تدل على عضو الحركة والسير والقيام، ومن هذا الوجه أطلق على مجموعة من الناس الذين يمشون على أرجلهم (رجْلاً) وكذلك تطلق على المرأة الراجلة (الرَّجْـلة} (مقاييس اللغة – القاموس المحيط). لذا جاءت كلمة رجل في التنزيل الحكيم بمعنى الترجُّل في المشي والحركة والنشاط للذكر والأنثى على حد سواء، أي بدلالة صفة حال وليس اسم جنس، وعلى هذا سنورد آيات التنزيل الحكيم التي ورد فيها الرجل للذكور والإناث معاً:
{فإن خفتم فرجالاً أو ركبانا} البقرة 239.
تُرى هل الرجال هنا هم الذكور فقط، وأن الإناث لا يأتون رجالاً ؟!!
{وأذِّن في الناس في الحج يأتوك رجالاً} الحج 27.
السؤال هنا: هل رجالاً هنا ذكور فقط ؟! والإناث أيضاً يأتين رجالاً. وهذا يعني أيضاً أن الذين فرض عليهم الحج لابد أن يكونوا قادرين على الترجل، أي أناس أصحاء أقوياء.
{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة} النور 37.
والسؤال هو: إذا كان الرجال هو ذكور بالغون لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فهل الإناث تلهيهن تجارة وبيع؟ وهل الذكور يذكرون الله ويقيمون الصلاة، والإناث منشغلات في البيع والتجارة؟! هنا الرجال هم ذكور وإناث.
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} الأحزاب 4.
إذا كان الرجل هو الذكر ليس له قلبين في جوفه، فهل للأنثى قلبين في جوفها؟ هنا الرجل هو الذكر والأنثى.
{وعلى الأعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم} الأعراف 46.
أيضاً هل على الأعراف هم ذكور فقط؟ ألا يوجد إناث فيهم؟ هنا أيضاً الرجال هم ذكور وإناث.
{الرجال قوامون على النساء} هنا الرجال هم ذكور وإناث.
أما معنى الرجال بمعنى الذكور البالغين، والنساء بمعنى النساء البالغات فيجب أن تكون هناك قرينة دالّة عليها، مثال قوله تعالى:
– {فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء} البقرة 282
– {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} الفتح 25.
– {إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء} النمل 55
فالرجل ليست اسم جنس، وإنما هي صفة تطلق على من تحققت به صفة الترجّل، ولتحديد الجنس الذي أطلق عليه كلمة رجل، ولابد من قرينة تدل على ذلك كما لاحظنا في الآيات السابقة، لأن الرجل غالباً ما يتحقق به صفة الترجّل في الأرض سعياً وراء رزقه.
النساء:
النساء عبارة عن جمع لكلمتين هما: النسيء والمرأة، فالمرأة جمعها نساء، والنسيء جمعها نساء. وكلمة نسيء تطلق على الأشياء العاقلة وغير العاقلة فنقول: امرأة نسيء، ولبن نسيء.
– النساء: جاءت في اللسان العربي من “نسأ” والنسيء هو التأخير كقوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} (التوبة 37) ونسيء ونسوء جمعها نسوة ونساء “معجم متن اللغة-أحمد رضا”، وكقول النبي (ص) إن صح “من أحب أن يسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه” “صحيح مسلم ج3 ص 1982” وجاءت النساء أزواج الرجال في المعنى المجازي لأنها اشتقت من هذا الأصل. فالنساء جمع امرأة وجمع نسيء. فجاء الجمع نساء للتأخير، وجاء المفرد امرأة وهي مؤنث كلمة امرؤ.
لقد فهم المفسرون الأوائل هذا بشكل بدائي جدا حيث قالوا إن الله خلق آدم ثم خلقت منه حواء أي أن الأنثى ظهرت في الوجود متأخرة عن الذكر ولهذا سميت الإناث نساء “أي تأخرن في الخلق” وهذا واضح في قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها} (النساء 1).
Ещё видео!