سماحة السيد منير الخباز
كيف نسيطر على ظاهرة القلق والكآبة في نفوسنا ؟
ما هو الطريق لتغذية الحصول على الروحانية؟ ما هو الطريق للوصول إلى لب الروحانية وجوهرها وهي الشعور بلذة البعد عن الذات والبعد عن همومها ومشاكلها؟
الطريق إلى ذلك هو العبادة، العبادة لها أثران نفسيان مهمان: لاحظوا قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا «2» وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2 - 3] وهذا الكلام لا يقصد به أثره في الآخرة بل في الدنيا، وهذان الأثران هما: مخرج ورزق.
الأثر الأول: الهداية.
يظل الإنسان أحياناً متأرجح بين عدة طرق، كالشاب مثلاً عندما يتخرج من الإعدادية لا يعلم أي تخصص يدخل فيبقى متأرجح بين عدة طرق، ذلك التأرجح يزول بالارتباط بالله، فالارتباط بالله له أثر عجيب وهو إزالة التأرجح والتذبذب من النفس ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69] ركعة تصليها إلى ربك تهتدي إلى الطريق الذي تريد، إنسان متحير بين عدة وظائف لا يدري أي الوظائف أفضل وأنجح له، يصلي ركعتين يهتدي بهما إلى الوظيفة المناسبة، الارتباط بالله يهدي إلى الصواب ويرفع التذبذب، ويزيل التأرجح من داخل النفس، هذا هو معنى قوله تعالى: ﴿يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا «2»﴾، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾.
الأثر الثاني: يرزقه من حيث لا يحتسب.
لا توجد سعادة أعظم من السعادة النفسية، ليست السعادة بالأموال ولا بالسيارة الفارهة ولا بالفيلا الضخمة ولا بالقصور، السعادة الحقيقة باطمئنان النفس، السعادة الحقيقة بأن تشعر دائماً بالهدوء والسكينة والاستقرار، وهذه السعادة الحقيقة وهي الشعور بالاستقرار لا تحصل عليها إلا بالارتباط بالله تبارك وتعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28] وهذا هو معنى الرزق، هو رزق الاستقرار والهدوء، قال تبارك وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97] حياة طيبة أي حياة يشعر فيها الإنسان بالهدوء والاستقرار وأنه لا يبالي بمصائب الدنيا ومتاعبها ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [يونس: 62].
إذن العبادة هي الطريق للروحانية؛ لأن العبادة تعطيك أثران أثراً يزيل التذبذب وهو الهداية، وأثر يزيل القلق والخوف وهو الاستقرار والاطمئنان، فهي الطريق للوصول إلى الروحانية، وأهم مصاديق العبادة هو الصلاة، كثير من أبنائنا يتهاون بالصلاة أو يؤخرها ولا يبالي بوضع الصلاة، الصلاة هي الطريق للاستقرار، كل إنسان منا يحتاج إلى الاستقرار، فأنت لا تستطيع أن تدرس أو أن تبدع أو تنتج بدون استقرار، الشعور بالاستقرار دخيل في الإنتاج والإبداع والعطاء، والطريق للوصول إلى الاستقرار والاطمئنان هو الصلاة والوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى.
يحكي الإمام الصادق عن الإمام علي : ”كان علي إذا فزع من أمر لجأ إلى الصلاة“ متى ما مر عليه أمر مفزع ومخيف لجأ إلى الصلاة، يصلي ركعتين ليزول بهما الخوف ويزول القلق والتذبذب من النفس.
ورد عن الرسول محمد : ”أحب من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وقرة عيني الصلاة“ أي أن لذة الصلاة لا تضاهيها لذة، لذة المناجاة لله، لذة الوقوف بين يدي الله هي لذة التحرر من الغرائز والمادة، والتحرر من الذات وهمومها وغمومها، هذه اللذة الروحية هي الروحانية الحقيقية التي لا تضاهيها لذة، وقد فرض الله الصلاة خمس مرات في اليوم لأن الإنسان خلال اليوم تمر عليه حالات من القلق والتذبذب ومن إثارة الشهوة والغرائز فأراد الله أن يضع لك علاج خمس مرات تتناوله في اليوم، الصلاة علاج تتناوله خمس مرات في اليوم لوقايتك من حالة التذبذب والقلق والكآبة والتأرجح، علاج تتناوله خمس مرات في اليوم يجعلك إنساناً ثابتاً مطمئناً واثقاً من قوتك وذاتك.
ولذلك ورد في الحديث الشريف: ”ما تقرب العبد إلي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وهو الصلاة، ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به وسمعه الذي يسمع به ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها“ أي أن الصلاة تطغى على كل أحاسيسه ومشاعره، ويصبح إنساناً متعلقاً بالله في كل شؤونه وأموره، حاول أن تأتي بالنافلة في اليوم ولو ركعتين، حاول أن لا تنام إلا وقد صليت صلاة الشفع أو الشفع والوتر ثلاث ركعات، هذه الصلاة لا تأخذ منك أكثر من دقيقتين، هاتان الدقيقتان تمنحك شعور بالهدوء والاستقرار والاطمئنان وأنت بحاجة ماسة إلى مثل هذا الشعور المهم في حياتك، لذلك يركز الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم على أهمية الصلاة وعلى أهمية النافلة كما ذكر القرآن الكريم: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ «1» الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ «2»﴾ [المؤمنون: 1 - 2] فالإنسان بمجرد أن يكبِّر للصلاة يتذكر ذنوبه والموت والوقوف بين يدي الله، هذه الذكريات هي الخشوع وهي التي تعطيك تفاعلاً مع الصلاة، وهي التي تعطيك تناغماً مع الصلاة، هي التي تجعل للصلاة أثراً على ذاتك وسلوكك ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]
ومن أعظم آثار الصلاة أن المصلين هم الأكثر تحدياً وإصراراً على مواقفهم وعلى قراراتهم نتيجة الارتباط بالله، يصبح الإنسان المواظب على الصلاة الخاشعة أكثر الناس تحدياً وأقوى الناس إرادة وأكثرهم حزماً، لذلك الإمام أمير المؤمنين يصلي والحرب قائمة، والسهام تنفذ إلى جسده فلا يشعر بها، لذة الصلاة شغلته عن ألم السهام والنبال لأن لذة الصلاة لا تضاهيها لذة.
وكذلك الإمام الحسين يوم عاشوراء يصلي والسهام تترا عليه ولا يشعر بها لأنه في حالة علاقة وعروج إلى الله تبارك وتعالى
Ещё видео!